الصَّاغِرِينَ الصغار: الذلة والهوان. أَنْظِرْنِي: أمهلنى. فَبِما أَغْوَيْتَنِي: فبما أوقعتنى في الغواية وهي ضد الرشاد. مَذْؤُماً: معيبا أو مطرودا، من: ذأم الشيء: عابه. مَدْحُوراً: مطرودا مبعدا.
بعد أن أبان الله حقيقة الدين وكتابه، وأنه واجب الاتباع دون غيره من الأولياء والشركاء والأهواء، مع ذكر عقاب الدنيا والآخرة.
أردف ذلك بذكر نعم الله على بنى آدم الموجبة للشكر ترغيبا في الامتثال، وبيانا لمكانة الإنسان.
ذكرهم ربهم بنعمه العظيمة على آدم وذريته وهذه نعم أخرى تبين مكانتهم بالنسبة لغيرهم، وخاصة الملائكة، وهي موجبة لعبادة الله وشكره.
[المعنى:]
يقسم الله- سبحانه وتعالى- لقد مكن لكم في الأرض، وخلق لكم ما فيها جميعا، إذ جعل أمكنة تقرون عليها وتستقرون بها في الدنيا، وجعل فيها المعايش التي تقوم عليها حياتكم من نبات وزرع، وفاكهة وثمر، وماء وسمك وجواهر، وحيوان، بل كل ما في الأرض وما عليها مذلل لكم، وهذه المخترعات التي مكنت لكم في الأرض حتى تغلبتم على كل ما فيها، فلم يعد هناك حاجز من بحار وجبال وصحارى وسهول، بل طار الإنسان حتى كاد يصل إلى القمر والكواكب.
كل ذلك يقتضى الشكر، ولكن الشكر من العباد قليل وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ولذا اختتمت الآية بهذا المعنى.
وشكر النعم يكون بمعرفة الله معرفة تامة، وحمده، والثناء عليه بما هو أهله، وأداء حقوق النعم وصرفها فيما خلقت له، بهذا يتحقق الخير، وتتحقق السعادة في الدارين.
ولقد خلقنا أباكم آدم من الصلصال والحمأ المسنون، أى: من الماء والطين اللازب، ثم جعلنا من تلك المادة بشرا مستويا على أتم صورة، وللعلماء آراء في تخريج الآية والأحسن كما قال القرطبي: إن آدم خلق من طين، ثم صور وأكرم بالسجود، وذريته صوروا في الأرحام بعد أن خلقوا فيها وفي أصلاب الآباء.