يجمع الصدقة فسررنا لذلك وجمعنا أنفسنا لاستقباله ثم رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك لغضب من الله ورسوله ... ثم نزلت الآية.
ولقد سمى الوليد بن عقبة فاسقا تنفيرا وزجرا عن المبادرة والاستعجال إلى الأمر من غير تثبيت كما فعل هذا الصحابي الجليل، لكنه مؤول ومجتهد فليس فاسقا حقيقة.
[المعنى:]
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله إن جاءكم فاسق كاذب بخبر فتثبتوا أولا لتعرفوا الحق من الباطل، وتقفوا على حقائق الأمور قبل الوقوع في الأخطار فكم فرق الكذب بين الأصدقاء؟ وكم سفك من دماء؟ وكم كان التسرع في الحكم مدعاة لشن حروب وغارات، وإثارة إحن وثارات، ولذلك
يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ذمّا في الكذب ومدحا في الصدق:«إنّ الصّدق يهدى إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدى إلى الجنّة، وإنّ الكذب يهدى إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدى إلى النّار»
وكان
النبي يقول:«التّأنّى من الله والعجلة من الشّيطان» .
تبينوا كراهة أن تصيبوا قوما بجهالة وخطأ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، فلو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عمل بقول ابن عقبة لغزا قوما مؤمنين يحبون الله ورسوله، وسفك منهم دماء، وأخذ أموالا بغير حق، فإذا ما تبين الواقع ندم على كل ذلك.
فالله يرشد عباده وأولياءه إلى هذا الأدب الكامل، ويحذرهم من العمل بالخبر قبل الكشف عنه والتثبت منه لئلا يصيبوا قوما بسبب الجهل والكذب فيصبحوا نادمين آسفين على ذلك.
والروايات تثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة كانوا يشكون في كلام وفد بنى المصطلق، فمن الصحابة من أشار بغزوهم، ومنهم من تريث، ولقد بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم خالدا يستطلع الحقيقة، وأمره بعدم العجلة في حربهم.
واعلموا أيها الصحابة أن فيكم رسول الله، وليس المراد هذا الخبر فإنه مشاهد معروف، ولكن المراد لازمه، وهو أن فيكم الرسول الأمين المبلغ عن الوحى المعصوم من الخطأ، الذي يجب ألا يكذبه أحد من أصحابه، فإن الكذب عليه قد يوقعه في أمر