يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين ودقائقه التي تركت رحمة بكم وإشفاقا عليكم، وقيل المعنى: لا تكثروا من السؤال عما لا يعنيكم من أحوال الناس، وهذا مثل قوله تعالى:«وَلا تَجَسَّسُوا [سورة الحجرات آية ١٢] .
وليس المراد النهى عن السؤال مطلقا في أمور الدين. لا، بل قد أقر الشرع سؤالهم عن توضيح أحكام العدة والخمر وغيرهما فلا حرج في مثل هذا، وإنما الحرج في التشدد في العمل وكثرة التكاليف لأن هذا قد يؤدى للإهمال وقد يؤدى إلى الخروج من الدين كما حصل في الأمم السابقة.
وقد سأل سائل منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أبيه من هو؟ وهل الحج واجب في كل سنة أم لا؟ وغير ذلك من الأسئلة المحرجة التي فيها العنت والمشقة على الناس.
وإن تسألوا عن غير هذه المسائل الشائكة مما تمس الحاجة إليه من تحريم أو تحليل أو حكم جديد تجابون إلى طلبكم فإنه خير، فالنهي إذن في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه، وكان في الإجابة عنه مشقة وزيادة كلفة. وقيل: لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم، وعلى هذا خرج
حديث ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» .
قد سأل مثلها قوم قبلكم فلما أجيبوا وفرضت عليهم كفروا بها وقالوا: ليست من عند الله، وما قوم صالح وأصحاب البقرة منكم ببعيد فاعتبروا يا أولى الأبصار، ولا تشددوا فيشدد الله عليكم، فإن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه الدين فسددوا وقاربوا.