عند ما رأى زكريا حال مريم وما هي عليه من التوفيق والهداية، وما يتفضل الله به عليها من الخير والكرم.
هنالك دعا زكريا ربه وتوجه إليه أن يرزقه ولدا صالحا طيبا طاهرا من نسل يعقوب- عليه السلام- إنك يا رب سميع لكل قول ودعاء.
فنادته الملائكة وهو قائم يدعو الله ويصلى في المحراب وقالت له: إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى موصوفا بأنه يصدق بعيسى ابن مريم- عليه السلام- وسمّى كلمة الله لأنه نشأ بكلمة الله كن لا على السنة الطبيعية من الولادة بين أب وأم.
وهذا- ولا شك- دليل على أنه مهدى موفق حيث إنه أول السابقين المصدقين بعيسى وهكذا السابقون إلى تصديق الرسل- عليهم السلام-.
وسيكون يحيى سيدا في قومه يفضلهم في الشرف والخلق والأدب، وسيكون منوعا لنفسه من كل ما يشينها ويحط من شأنها، ولا غرابة فهو في الدنيا نبي وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
قال: رب أنى يكون لي غلام؟
قال الشيخ محمد عبده ما معناه: إن زكريا لما رأى ما رأى من نعم الله على مريم وتوفيقه لها في الإجابة عن سؤاله. غاب عن حسه وهام في ملكوت الله، واستغرق قلبه في ملاحظة الله وحكمته ونطق بهذا الدعاء وهو على تلك الحال.
ولما آب من سفره وعاد من مشاهداته العليا إلى عالم الأسباب والمسببات سأل ربه عن كيفية تلك الاستجابة وهي على غير السنن الكونية إذ هو شيخ مسن وامرأته عاقر.
قال تعالى: مثل ذلك الخلق على غير السنة الطبيعية مع امرأة عمران يفعل الله ما يشاء في الكون، ومنه إيجاد ولد لك وامرأتك عاقر.
وهكذا يا أهل الكتاب لا تعجبوا من نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فالله يفعل ما يشاء ولا تخلو أفعاله من حكم عالية قد تخفى على الناس.