للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاشَ لِلَّهِ كلمة تفيد معنى التنزه والبراءة فَاسْتَعْصَمَ فامتنع امتناعا بليغا من العصمة وهي المنع من الوقوع في المعصية الصَّاغِرِينَ المهانين أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أمل إليهن ثُمَّ بَدا لَهُمْ أى: ظهر لهم رأى جديد.

[المعنى:]

شاع في المدينة نبأ امرأة العزيز مع فتاها. وقد أصبح حديث المجالس خصوصا في مجالس كبار المدينة: فاجتمع عدد من النساء واتفقن على تدبير أمر يكون من ورائه اجتماعهن بيوسف هذا.

وقال عدد من نساء المدينة قليل يمكن اجتماعه على رأى، وتدبيره لأمر، امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وهذا كلام يفيد التعجب والإنكار من فعلها لأنها امرأة رجل كبير هو الوزير الأول وقد راودت هي بنفسها وطلبت، والمألوف أن المرأة تتمنع ويطلب منها ما لا تطلب هي، أليس من الغريب الذي يدعو إلى العجب أن تطلب امرأة من فتاها وخادمها، وتدوس كبريائها، والعجب العاجب أن تظل كما هي بعد أن افتضح أمرها وعلم به زوجها وعاملها معاملة فيها كثير من التنازل.

كل هذا تفيده العبارة القرآنية: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه: قد شغفها حبا، وأشرب قلبها حبه حتى ملك أمرها، واستبد بقلبها وعقلها وأضحت كالولهان، قالت النسوة: إنا لنراها في ضلال بيّن وجهل ظاهر يتنافى مع مكانتها وحالها.

فلما سمعت بمكرهن، ووصل إليها خبرهن، أرادت أن تمكر بهن مكرا يوقعهن في الشرك، ويجعلهن في صفها، وكان من أمرها أن أرسلت إليهن وأعدت لهن مكانا مهيئا فيه الأرائك مصفوفة، وجلسن متكئات عليها متقابلات وأعطت كل واحدة منهن سكينا تستعين به على قطع الطعام، وبينما هن في تناول الأطعمة، وكلّ تمسك بسكينها الحادة قالت: اخرج يا يوسف عليهن ويظهر أنه كان داخل حجرة متصلة بقاعة الطعام فلما رأينه أعظمنه ودهشن لذلك الجمال السحرى الفاتن وغبن عن شعورهن، وقطعن أيديهن. والمعنى كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، والمراد جرحتها، وقلن حاشا لله والمعنى تنزيها لله- تعالى- عن صفات العجز، والتعجب من قدرته على

<<  <  ج: ص:  >  >>