بعض الجميل إلى أهله، ومنه من ضل وبغى ولم يرع لحق حرمة بل كفر وأنكر رغم إلحاح والديه عليه وإرشاد هما له، ولكل درجات فانظر- وفقك الله تعالى إلى الخير- مكانك في الناحيتين. على أن وضع الوصية بالوالدين هنا دليل على أنها من أصول الإسلام.
[المعنى:]
ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن لهما إحسانا، وألزمناه إحسانا إليهما فهما أحق الناس به، والأمر بالإحسان إليهما محل اعتناء من الله، فكان وصية لا أمرا إذ هما قد توليا إيجاده ظاهرا، والله تولى خلقه خفية وباطنا، والأم أحق بذلك من الأب فهي حملته على كره وتعب، ووضعته بمشقة وألم، ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرا، وقد مضى أن مدة الرضاع لمن أراد إتمامه سنتان وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بقيت مدة الحمل وهي ستة أشهر ولحظتان، وهذه أقل مدة يمكن نسبة الولد فيها إلى أبيه، إن أقل الحمل ذلك، وأما أكثره فلم ينص عليه القرآن، والفقهاء قالوا: أقصاه سنتان، وقيل: أربع، والغالب أن مدة الحمل حول تسعة أشهر.
ومدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرا والولد فيها حمل على أمه، فبطنها وعاء له، وثديها سقاء له، وهي فوق ذلك تسهر وتتعب، وتشقى ليسعد، فمن باب الذوق ورد الجميل الإحسان إلى الوالدين وخاصة الأم.
فإذا عاش الرضيع ودرج كما يدرج الصبيان، وأيفع مع الشبان، حتى إذا بلغ أشده واستحكم عقله واستوت قوته، وبلغ أربعين سنة. قال: رب أوزعنى ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي حيث وضعت في قلوبهما العطف علىّ، وخلقتني بسببهما على أتم صورة ورعيتنى في الصغر وربيتني وحفظتني وأنعمت علىّ نعما لا تحصى، ويظهر- والله أعلم- أن قول الإنسان هذا عند بلوغ الأشد واكتمال العقل وبلوغ الأربعين، قوله هذا من حيث هو إنسان فقط بقطع النظر عن الإرشادات والتعاليم التي تأتى على ألسنة الزمان. وتجعل الطفل عند البلوغ أو الاحتلام مكلفا بكل فروع الشريعة إذ طلب الإنسان من ربه أن يوفقه إلى العمل وأن يهديه إلى الشكر ورد الجميل ليس موقوفا على بلوغ الأربعين وكمال الرشد.