للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

يقول الحق- تبارك وتعالى-، وجعلنا الليل والنهار آيتين دالتين على قدرتنا وبديع صنعنا وأحكام نظامنا، وذلك لما فيهما من الظلام الدامس والنور الساطع، وما فيهما من تعاقب واختلاف يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وانظر إلى الليل وهدوئه العميق وقمره المنير، ونجمه الذابل وقد سكن الكون فيه وهدأت الطبيعة.

ثم انظر إلى النهار وما فيه من حركة وضجيج. وذهاب ومجيء، وإلى الشمس وضحاها والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.

فمحونا آية الليل، والمعنى: محونا آية هي الليل كما نقول دخلت مدينة القاهرة أى مدينة هي القاهرة، ومحوناها أى: جعلناها ممحوة الضوء والحركة لأنها كانت مضيئة ثم محيت (وفي هذا إشارة إلى هدوء الليل وسكونه) وجعلنا آية هي النهار مبصرة أى: يبصر فيها الرائي وينظر إلى ما حوله فيحس به ويتحرك تبعا لذلك، وهكذا تنبعث الحياة والحركة، ويولد النشاط والعمل لتبتغوا بذلك فضلا من ربكم ورزقا، فالرزق تابع للحركة والسعى والعمل والله الموفق.

ولتعلموا باختلاف الجديدين وهما الليل والنهار عدد السنين، والحساب، فلو كان الليل والنهار لا يختلفان في شيء أبدا من حركة وسكون ونور وظلام وطول وقصر وبرد ودفء لما تيسر معرفة السنين وحسابها، انظر إلى القطبين وما جاورهما هل يصلحان للحياة؟ كلا!!!.

وكل شيء مما تفتقرون إليه في شئون دينكم ودنياكم فصلناه تفصيلا وبيناه تبيينا عن طريق الإجمال أو التفصيل، لئلا يكون للناس على الله حجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وكل إنسان ألزمناه طائره من حظه المقدر وعمله الذي سيعمله في عنقه فلا يمكنه الانفلات منه بل هو أمر محتوم، وقضاء معلوم وكل ميسر لما خلق له، وليس معنى هذا نفى الاختيار الذي هو مناط الثواب والعقاب.

ونخرج له يوم القيامة كتابا بين يديه يلقاه منشورا أمامه، كتابا لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وقد وجد الكل ما عمله حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا،

<<  <  ج: ص:  >  >>