أَناسِيَّ هم الناس صَرَّفْناهُ صرفنا المطر أى: فرقناه وحولناه من جهة إلى جهة، ومنه قيل تصريف الأمور كُفُوراً أى كفرا.
ما مضى كان نقاشا لأهل مكة في أمور معنوية عامة، وتهديدا لهم حيث كذبوا ولم يؤمنوا ثم ساق لهم قصصا يؤيد ذلك. وبين لهم أن هلاكهم أمر واقع، ليس له من دافع، ثم ساق أدلة على وجود الصانع المختار، وهذه الأدلة بعض الظواهر الكونية، التي يدركها كل مخلوق مع بيان قدرة الله ونعمه التي لا تنفد، وكان الكلام على الظل.
والليل والنهار. والريح. والمطر وغير ذلك مما يناسب عقول هؤلاء الناس، ويلتقى مع خيالهم، وهو عماد بيتهم.
[المعنى:]
ألم تنظر إلى صنيع ربك الذي يدل على كمال قدرته، ومنتهى رحمته حيث مد الظل وبسطه، أو قبضه وقلله، والظل نعمة من الله على الناس جميعا، إذ الحياة والدفء من نور الشمس، ولكن قد يبهر العين، ويجلب الحر، ويقتل النفس. وفي الظلام السكون والهدوء، ولكن النفس لا تألفه، والطبع السليم يأباه، فكان من نعم الله علينا الظل وسطا بين النور والظلام، وجاء وصفا للجنة حيث كانت ذات ظل ممدود، ومن هنا ندرك السر في تفسير بعض العلماء للظل بأنه الوقت من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس إذ هو وقت الهدوء والسكون والراحة النفسية، والجو الصافي، وقت النشاط الروحي والصفاء النفسي: ولا تنس أن للظل مكانة عند العرب.
ولو شاء ربك لجعل الظل ساكنا ثابتا لا يحول ولا يزول، ومن هنا يذهب رواؤه، ويقل تأثيره، إذ تأثيره الطبعي والمعنوي في ذهابه وحضوره ووجوده وانعدامه وقلته وكثرته.
والظل أمر لا يعرف ولا يدرك إلا بالشمس، وتبارك الله أحسن الخالقين ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا فكأن الله- سبحانه- خلق الظل أولا، ثم جعل الشمس دليلا على وجود هذه النعمة الجليلة ذات الأثر الفعال في الإنسان والحيوان والنبات.
أليس في وجود الظل ثم تحركه وتغيره، وانتقاله من حال إلى حال ثم جعل الشمس