ذلك ما حكى عنه أنه مر ببلبل يصوت ويرقص فقال سليمان: إنه يقول «ليت الخلق لم يخلقوا» فلعل صوت البلبل كان على شبع وفراغ بال. وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلبها.
وعلى كل فإدراك أصوات الحيوانات خصوصا الطير، وما يقصد منه لم يكن إلا هبة من الله- تعالى-، وقد وهبها سليمان وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
ويقول سليمان تحدثا بنعمة الله وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وهذا يفيد كثرة نعم الله عليهما إن هذا لهو الفضل المبين، وأى فضل أظهر من هذا؟ وفيه تقرير للحمد والثناء على الله- سبحانه وتعالى-، ولا تنس أنه يقر بأنهما أوتيا من كل شيء يتصل بالنبوة والملك والحكم.
وأما قوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ فهو دليل على قوة سليمان، وكثرة سلطانه، وتعدد جنده من الجن والإنس والطير أما جند سليمان من الجن فظاهر من قوله- تعالى-: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ الآيتان ١٢، ١٣] وأما الطير فقصة الهدهد ستأتى إن شاء الله، وأما الإنس فمعلوم أنه كان لسليمان ملك وجند بنص القرآن الكريم.
وهؤلاء الجند لهم قواد وحكام ونظام فهم يوزعون، ويكفون عن الفوضى وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [سورة الأنعام آية ٣٨] .
[قصة النملة مع سليمان:]
حتى إذا أتى سليمان وجنده الكثيف (الكثير) من فوق على وادي النمل والله أعلم.
بمكانه ... قالت نملة. لها حق الإمارة على النمل، قالت: ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم ولا يحطمنكم سليمان وجنده بأرجلهم وهم لا يشعرون بكم لصغر حجمكم، وسيركم وسط الرمال.
فتبسم سليمان ضاحكا من قولها حيث وصفت جنده بأنهم لا يعمدون إلى الشر، ولا يشعرون بعملهم له ولا شك أن هذه النعم، وخصوصا فهم سليمان عن النملة يقتضى منه الشكر والحمد لله فقال: رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على