هكذا أسلوب القرآن يذكر الشيء ثم يردفه بمقابله ليتجلى الفرق ويظهر للعيان بأجلى معانيه، وليعلم المنافقون أنهم ليسوا على شيء من الإيمان إذ صفته ما يذكر هنا من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف ... إلخ. أما إيمانهم الظاهر فهو نفاق وخداع لا ينفع أبدا.
[المعنى:]
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض بالنصرة والمعونة والمساعدة في السراء والضراء، والوقوف بجانب بعض في الشدائد والمكروه، بعضهم أولياء بعض ولاية أخوة ومودة ومحبة وصداقة، فنبيهم صلّى الله عليه وسلّم
يقول:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
ويقول:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»
هذا هو أساس الإيمان وطبعه لا فرق بين ذكر وأنثى وقد كانت النساء في العصر الأول يقمن بالمعونة والنصرة في الحروب وغيرها على قدر طاقتهن مع التجمل بالأدب والحياء ولبس لباس الدين والعفاف.
وانظر يا أخى في وصف المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وفي وصف المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ترى أن المنافقين لا ولاية بينهم ولا أخوة تبلغ درجة الإيثار والنصرة وفّى الحروب، ولكنها أخوة كلام فقط أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [سورة الحشر الآيتان ١١ و ١٢] .
فالمنافقون بعضهم يشبه بعضا في الشك والنفاق والارتياب ولكن لا صلة بينهم ولا تآلف، إذ الولاية والصلة والأخوة هي من صفات المؤمنين أصحاب العقائد الراسخة، ولذا يقول الله فيهم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ولاية النصرة في الدفاع عن الحق والعدل والكرامة والدعوة إلى الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبالعكس المنافقون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ولا غرابة فهاتان الصفتان من أبرز صفات المؤمنين.