هل يستوي هذا الذي وصفناه هو والذي يأمر بالعدل، ويسير بالعدل، ويحكم بالعدل، ويأمر بالعدل، وينطق ويفهم ويتصرف على أتم وجه وأكمله؟! وهو في نفسه على صراط مستقيم، ودين قويم، وسيرة صالحة لا إفراط فيها ولا تفريط.
وحاصل الوصفين في المثل الثاني أن الأول لا يستحق شيئا، والثاني يستحق أكمل وصف، والمقصود الاستدلال بعدم تساوى هذين الموصوفين على امتناع التساوي بينه وبين ما يجعلونه شريكا له.
ولما فرغ من ذكر المثلين أخذ يتحدث عن نفسه فقال:
ولله وحده- سبحانه- غيب السموات والأرض، يختص بذلك لا يشاركه أحد من خلقه، وما أمر الساعة التي هي محط الأنظار، ومحل البحث والجدل بين المنكرين وبين الذين يؤمنون بالبعث ويوم الساعة، إلا كلمح البصر، أو غمضة العين، أو هو أقرب. وهذا مثل في وصف سرعة القدرة على الإتيان بها لأن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، إن الله على كل شيء قدير.
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم، لا تعلمون شيئا، وجعل لكم طرق العلم، وسبل الإدراك وهي السمع والبصر والفؤاد، لتدركوا البيئة التي أنتم فيها، وتقفوا على أسرارها، والله خلق كل هذا لكي تصرفوا كل حاسة فيما خلقت له، ولعلكم بهذا تشكرون ربكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم، ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ومذللات للطيران في أرجاء الفضاء، ما يمسكهن وهن طائرات إلا الله، ألم يروا إلى الطائر يطير في الجو باسطا جناحيه أو قابضهما ما الذي حمله في الهواء وهو جسم ثقيل؟ ومن الذي خلق في الطائر حب الطيران؟ وذلّله وعلمه كيف يطير الله- سبحانه وتعالى-..
من نعم الله علينا [سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٠ الى ٨٣]