للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

الله- سبحانه وتعالى- نزل القرآن، وهو كتاب لا ريب فيه، متشابه في البلاغة والبيان، محكم في الحجج والبراهين، تقشعر عند تلاوته قلوب الذين يخشون ربهم ثم تلين لذكر الله، وهذا هو القرآن كتاب الله، وهذا هو موقف المؤمنين منه. أما الذين ختم الله على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة التعامي عن الحق فيقولون: ما هذا إلا إفك وكذب قد توغل في البعد عن الحق، وقد افتراه محمد من عنده، وأعانه عليه قوم آخرون، هم بعض اليهود. ومن أسلم من أهل الكتاب كأبى فكيهة مولى بن الحضرمي، وعداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى عامر ابن الحضرمي، ولقد رد الله عليهم هذه الشبهة والواهية بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً.

نعم لقد قالوا شيئا إدّا- منكرا عظيما- فقد تحداهم الله على لسان النبي بالقرآن تحديا ظاهرا على أن يأتوا بمثله، مستعينين في ذلك بشهدائهم وأعوانهم من الإنس والجن، فلو كان محمد افترى هذا القرآن، وكذب في نسبته إلى الله، واستعان على ذلك بقوم آخرين، فلم لم تستعينوا أنتم أيها المشركون بهم أو بغيرهم وتأتوا بمثل هذا القرآن؟ وأنتم أهل الفصاحة والبيان، فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، هذا أبدا رغم شدة تلك النتيجة عليكم فاعلموا أنكم بقولكم إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ.. قد جئتم بظلم وزور من القول لا سند له أصلا، أما أن قولكم ظلم فلأنكم نسبتم القرآن إلى النبي، وهو مبرأ منه لأنه من عند الله، ولا شك أن ذلك ظلم، وأما أنه وزر فلأنكم قلتم كذبا وادعيتم باطلا، وانظر إليهم في شبهتهم الثانية حيث قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا يا لها من شبهة واهية!! أهذا القرآن المحكم الآيات أساطير الأولين وأحاديثهم؟! كتبها النبي صلّى الله عليه وسلّم بمعنى أنه أمر بكتابتها له إذ هو أمى لا يقرأ ولا يكتب، فهي تملى عليه وتقرأ أول النهار وآخره ليحفظها، ويلقى عليكم ما يتلى عليه صباحا في المساء، وما يتلى عليه في الأصيل يقرأه عليكم في الصباح.

وقد رد الله عليهم بقوله قُلْ أَنْزَلَهُ على رسوله ربكم الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وأخفى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أنزله عالم الغيب والشهادة فكيف يكذب عليه النبي في نسبة القرآن إليه، ويتركه وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ والله- سبحانه وتعالى- هو القادر وحده على تركيب مثل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>