إذا قدم من الشام وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فأتوا النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، قد بنينا مسجدا لذي الحاجة، والعلة، والليلة المطيرة، ونحب أن تصلى لنا فيه وتدعو بالبركة إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم:«إنّى على سفر وحال شغل فلو قدمنا لأتيناكم وصلّينا لكم فيه»
: فلما انصرف من تبوك وهم بالذهاب إلى مسجد الضرار نزلت هذه الآيات. فدعا النبي مالك بن الدخشم وغيره
فقال:«انطلقوا إلى هذا المسجد الظّالم أهله فاهدموه وأحرقوه» .
وقد تم ذلك، والذين بنوا مسجد الضرار كانوا اثنى عشر منافقا من الأوس والخزرج.
[المعنى:]
والذين اتخذوا مسجدا لأغراض ستأتى جزاؤهم معروف، إذ كان غرضهم بالبناء ما سجله القرآن عليهم وهو:
(أ) أنهم اتخذوه محاولين إيقاع الضرر بالمؤمنين (الذين بنى لهم رسول الله مسجد قباء قبل دخوله المدينة) وهؤلاء بنوا مسجدهم بجوارهم لإيقاع الضرر بهم والفتنة لهم.
(ب) واتخذوه للكفر وتقويته والاجتماع لتدبير ما يكرهه الله ورسوله. فكان عش الفتنة، وبيت النفاق، ويقول المنافق: صليت فيه وما صلى، والكفر يطلق على الاعتقاد والعمل المنافيين للإيمان.
(ج) وبنوه للتفريق كذلك بين المؤمنين فإنهم كانوا يصلون في مسجد واحد، فأصبحوا متفرقين في مكانين.
(د) واتخذوه إرصادا وانتظارا لقدوم من حارب الله ورسوله حتى إذا قدم وجد المكان مهيأ ووجد أصحابه مستعدين لمحاربة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وقد اتفق المفسرون على أن الذي أغراهم ببناء هذا المسجد هو أبو عامر الراهب من الخزرج، وحكموا أنه كان رجلا تنصر في الجاهلية وعلم علم أهل الكتاب وكانت له مكانة في قومه- فلما قدم النبي المدينة، واجتمع المسلمون حوله وأصبح للإسلام كلمة- أكل الحسد قلب الرجل، وأعلن الحرب على النبي صلّى الله عليه وسلم، وأقسم ليحاربنه مع كل من يحاربه، وقد حاربه في أحد وحنين، ولما رأى نور الإسلام يرتفع ارتفاع