إذا كان حال أولئك الأمم كما قصصنا عليك أيها الرسول فاستقم كما أمرت ومن تاب معك، ولا تطغوا.
الاستقامة المأمور بها في الآية مرتبة عليا، تقتضي الإيمان بالغيب كله كما جاء في القرآن الكريم، وعدم التفرق والاختلاف في أسس الدين وأصوله الذي وعد الله صاحبه بالهلاك والعذاب، والاستقامة تقتضي كذلك التزام ما أمر به الكتاب من العبادات والمعاملات، والاحتكام إليه عند النزاع واختلاف الرأى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
[النساء ٥٩] أليست الاستقامة درجة عليا بدليل أمر الله نبيه بها! وهو على الاستقامة مستقيم، وقد أمر بها موسى وهارون على أنها الطريقة المثلى للنجاح قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس ٨٩] وانظر إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [سورة فصلت آية ٣٠] .
والاستقامة تطبيق عملي لروح الدين، وكرامة يختص بها الله بعض المخلصين من عباده ليكونوا مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا وصدق رسول الله حين قال لسفيان الثقفي إجابة لطلبه: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك.
قال النبي صلّى الله عليه وسلم «قل آمنت بالله ثمّ استقم» .
فاستقم كما أمرت يا أيها الرسول ومن تاب معك من المؤمنين، ولا غرابة في هذا الأمر، والرسول صلّى الله عليه وسلّم مستقيم غاية الاستقامة إذ هو أمر يقصد به الدوام والاستمرار على ما هو عليه.
وألا تطغوا إنه بما تعملون بصير، والطغيان مجاوزة الحد المرسوم، والخروج عن الطريق المستقيم، وهذا أمر عام يقع فيه الخاص والعام، ولذلك جاء النهى فيه للجميع مع التذييل بأن الناقد بصير وخبير.
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا، ولا تعتمدوا عليهم في شيء أبدا فالركون إلى الظالمين ظلم بين، وهذا النهى علاج لمرض نفسي متفش عندنا كثيرا وهو اللجوء إلى الكبار والرؤساء معتمدين عليهم في قضاء المصالح وهذا ما يدعونا إلى إطرائهم وتملقهم، وكتمان