للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

هذا ضرب من تعنت الكفار، وعنادهم الشديد الذي يدل حقّا على استكبارهم وعتوهم وفجورهم، وكأنى بهم وقد امتلأت قلوبهم كبرا وطغيانا فطالبوا أن تنزل عليهم الملائكة كما تنزل على النبي صلّى الله عليه وسلم قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ويحتمل أن يكون مرادهم: لولا أنزلت علينا الملائكة فنراهم عيانا فيخبرونا أن محمدا رسول الله إلى الناس وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً آية ٩٠ من سورة الإسراء حتى قالوا في آية ٩٢ من السورة نفسها أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا ولهذا قالوا هنا: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا وكأنهم لم يقنعوا بالقرآن على أنه معجزة ناطقة بصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوى الرسالة فطالبوا برؤية الملائكة أو الله- سبحانه وتعالى- وما علموا أن الله لا يرى!! ولو أنزل إليهم ملك فليست فيهم قدرة على الاتصال به، ومكالمته، ولا غرابة في هذا، فها هو النبي صاحب الروح القوية حينما التقى بجبريل- عليه السلام- لأول مرة ناله ما ناله مما لم يقو على تحمله، وقد خفف جبريل عنه الشيء الكثير بضمه إليه مرارا وكأن الله يعده لذلك حتى حبب إليه الخلاء والبعد عن المادة والدنيا ومع ذلك حصل له ما حصل فكيف بعامة الناس؟ ولو جعل الملك رجلا لحصل اللبس، وطالبوا بالدليل وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ من سورة الأنعام الآيتان ٨، ٩ ولهذا قال الله تعالى: لقد استكبروا كبرا صادرا من أنفسهم مستكنا فيها، وقد عتوا عتوا كبيرا، يدعو إلى العجب العجاب ولقد صدق الله وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وما لهم يطلبون رؤية الملائكة؟! وهم سيرونهم في يوم عبوس قمطرير، يوم تقبض فيه أرواحهم ويطلعون فيه على ما أعد لهم، يوم يرون الملائكة قائلين لهم: لا بشرى لهم أبدا حين يبشرونهم بالنار وغضب القوى الجبار، وتقول الملائكة لهم: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ حقا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين، وهل هناك إجرام أشد من إجرام الكفار والمشركين؟ ويقولون: حجرا محجورا، ومن القائلون؟

قيل هم الكفار على عادة الجاهلين حينما يلتقى الرجل بعدوه يقول: حجرا. على معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>