الْأَمانَةَ: المراد بها التكاليف فَأَبَيْنَ: امتنعن خوفا وإشفاقا.
وهذا ختام رائع لتلك السورة التي جمعت أوامر عالية، وآدابا سامية وحكما ومواعظ رائعة كلها من تكاليف الإسلام بل هي لبابه، وفي هذه الآيات بيان أن التكاليف ليست هينة، وإنما هي عظائم الأمور التي نأت عنها السموات والأرضون.
[المعنى:]
إنا عرضنا الأمانة- التكاليف كلها من طاعات وفرائض- عرضناها على السموات والأرض والجبال فلم تطقها وأبين أن يحملنها وحملها الإنسان على ما بها إنه كان ظلوما جهولا.
الله- سبحانه وتعالى- عرض التكاليف على السموات وما فيها، والأرض وما عليها من جبال وسهول ونبات وغيره، فأدت ما طلب منها فورا، وأبت كل هذه الأشياء أن تحمل الأمانة وتؤخر الوفاء بها، ألا ترى إلى الملائكة؟! هل هم يحملون الأمانة؟ أم هم يقومون بما عليهم فورا، ولا يحملون شيئا، الملائكة على هذا الاعتبار لم يحملوا الأمانة، ولأضربن لك مثلا بسيطا: إذا وجب الظهر وجبت عليك صلاته في وقته، فإن أديته فورا صدق عليك أنك لم تحمل أمانته بل أديتها في وقتها كالرجل الذي عنده وديعة إلى أجل إذا حل الأجل لم يحملها، بل يعطيها لصاحبها، وإذا تأخرت عن الصلاة حتى فات الوقت كنت حاملا للأمانة، والله أعلم. فالسماوات والأرض والجبال ومن فيهن وما عليهن لا يحملون الأمانة أبدا بل يقومون بما طلب منهم فورا ساعة طلبه.
أما الإنسان، أى: بعضه فقد حمل الأمانة على ما بها من جزاء العاملين وعذاب المقصرين بهذا المعنى السابق، ولم يأب حملها، ولم يشفق منها ومن عذابها إنه كان ظلوما لنفسه جهولا لم يعمل ما يقيه من العذاب المعد لمن خان الأمانة، ولم يوف بالعهد.
وكان من نتائج أن الله حمله تلك التكاليف فحملها: أن الله يعذب المشركين والمنافقين على أعمالهم السيئة، وعلى خيانتهم للأمانة وعدم وفائهم بالعهود.
وكان من نتائج ذلك أيضا أن الله يتوب على المؤمنين، ويثيبهم على ما عملوا من صالح الأعمال، وعلى ما أدوا من أمانات ووفوا بالتزامات، وكان الله غفورا رحيما.