واذكر يا محمد في الكتاب المنزل عليك إبراهيم الخليل، واتل عليهم نبأه وقت أن جادل أباه آزر، وقال له. يا أبت لم تعبد حجرا لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغنى عنك شيئا من الغناء؟!! وانظر إلى أبينا الخليل إبراهيم وهو يخاطب أباه متلطفا بقوله: يا أبت!! ويستفهم منه عن السر في تلك العبادة فإن المعبود لو كان حيا يسمع ويبصر وينفع ويضر في شيء، وهو مع ذلك مخلوق لكانت عبادته دليلا على قصر العقل وسوء الرأى وفساد الطبع.. ولو كان من أشرف الخلق كالأنبياء والملائكة وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وذلك أن العبادة غاية في التعظيم، ومنتهى التقديس ولا يكون ذلك لمخلوق أبدا أيا كان وضعه. فما بالك لو كان المعبود حجرا لا يسمع عبادتك، ولا يبصر قربانك، ولا يغنى عنك شيئا من الغناء؟! وفي الاستفهام عن السبب لفت للنظر عميق يبعث على الشك والبحث.
يا أبت إنى قد جاءني من العلم شيء لم يأتك فاتبعنى أهدك الصراط المستقيم، والسبيل الحق، وانظر إلى الخليل- صلوات الله عليه- لم يصف أباه بالجهل، ولا نفسه بالعلم الكامل فإن ذلك ينفر الناس، ويمنع الجليس من الائتناس، بل قال إنى أعطيت شيئا من العلم قليلا، ولم تعطه، ولا ضير عليك في شيء إن اتبعت ابنك حتى يهديك إلى الصراط المستقيم، يا أبت هب أننا سائران في الطريق وأنا على علم به أفلا يكون من الخير أن تتبعني حتى تصل إلى بر السلامة، وأنت أبى على كل حال وأنا ابنك البار.. وهذا جذب لأبيه ليصل إلى الحق بطرق سديدة، يشككه في اعتقاده ثم يلمح له بأن الخير في اتباعه وترك ما هو عليه.
وانظر إلى أبى الأنبياء وهو يقول لأبيه: يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن كثير العصيان.
آزر أبو إبراهيم كان يعبد الأصنام، وما كان يعبد الشيطان، إلا أن عبادتها لا يمكن أن تصدر عن عقل أو عاطفة أو غريزة، ولكنها تنشأ عن وسوسة الشيطان وإغوائه فكانت عبادتها عبادة له، وطاعة لإغوائه! والشيطان هو ما تعرفون، عدو أبيكم آدم،