ها أنتم أولاء مخطئون في حبهم إذ هم لا يحبونكم مع أنكم تؤمنون بالكتب كلها ومنها كتابهم وتصدقون بكل الرسل ومنهم رسولهم، ومع هذا فهم لا يحبونكم. عجبا كيف يتمسكون بباطلهم إلى هذا الحد؟ وأنتم تتهاونون في حقكم وهم إذا قابلوكم قالوا نفاقا: آمنا بالله وصدقنا برسالة محمد، وإذا خلوا إلى أنفسهم وشياطينهم- من شدة الغيظ والحقد وعدم القدرة على إيصال الشر لكم بأى صورة- عضّوا على أناملهم، فإن عض الأنامل فعل المغيظ المحنق الذي فاته ما لا يقدر على جلبه أو نزل به ما لا يقدر على دفعه!! أخبرهم يا محمد أن أهل الكتاب- خاصة اليهود- لا يدركون ما يؤملون، فإن الموت دون ذلك، وهذا تقريع لهم أو دعاء بأن يديم الله غيظهم إلى الموت.
ولا غرابة في هذا فعداوتهم لكم شديدة وحسدهم لكم من عند أنفسهم، فإن مستكم حسنة استاءوا بها وإن أصابتكم سيئة فرحوا لها ثم انظر إلى تعبير القرآن بإساءتهم عند مس الحسنة وبفرحهم عند إصابة السيئة فهم لا يفرحون حتى تتمكن الإصابة ويستاءون عند أدنى مس للحسنة، ألا قاتلهم الله ولعنهم! وأما العلاج والمخلص الوحيد فهو دواء القرآن لكل هذا: الصبر والتقوى. فإن تصبروا في كل حال وتتقوا الله وتأخذوا الوقاية لكم من كيد عدوكم فإن الله ضمن لكم أنهم لن يضروكم شيئا من الضرر، إن الله بما يعملون محيط، وعليم خبير بكل خفاياهم وكيدهم فسيرده في نحورهم ويجازيهم على كل ذلك بشرط أن تصبروا وتتقوا.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ الآيات من هنا إلى ستين آية بعدها نزلت في غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم لا سيما غزوة أحد، لهذا رأينا أن نذكر شيئا من أخبار غزوة بدر وغزوة أحد حتى تستبين لنا الآيات وندرك حكمها وأحكامها.
[غزوة بدر]
كانت في السنة الثانية للهجرة، وبدر اسم لبئر بين مكة والمدينة سميت باسم صاحبها، وكانت هذه الواقعة نصرا مؤزرا للمسلمين وكارثة على المشركين زلزلت مكانتهم عند العرب بقدر ما مكنت للمسلمين في نفوس أهل الجزيرة.