للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر نصوص القرآن الكريم تثبت ليونس أنه غاضب. فممّن غاضب؟!.، وأنه أبق! وأنه ظن أن لن نقدر عليه، وأنه كان من الظالمين..، وهذا بلا شك لا يليق بالأنبياء على أن هذا الموضوع سيجرنا إلى البحث عن عصمة الأنبياء وإلى أى مدى تكون، ويحملنا كذلك على تأويل تلك النصوص بما يتفق وروح الدين والقول الحق في نظري عن عصمة الأنبياء خلاصته: أن الأنبياء- صلوات الله عليهم- معصومون عن الكبائر مطلقا. وأما عن الصغائر فهم معصومون على الإتيان بها عمدا في حال النبوة، وإن جاز أن يقع منهم شيء فهم متأولون أو ناسون وهذه تعتبر ذنوبا في حقهم، وإن كانت غير ذنوب عند أممهم نظرا لما لهم من القرب والاتصال بالحضرة العلية، وصدق من قال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وموضوع كلامنا قصة يونس فنقول: سائلين الله أن يحفظنا من الخطأ.

[المعنى:]

واذكر يا محمد ذا النون وهو يونس إذ ذهب مغاضبا لله، أى: لأجل الله فيونس غاضب قومه من أجل ربه إذ يكفرون به ولا يصدقون برسله.

والظاهر أن يونس أرسل إلى قومه فعصوه، ولم يتبعه إلا القليل، وكان ذلك مما يحز في نفسه ويؤلمه ويغضبه، وكان يونس ضيق الصدر شديد الإخلاص لقومه كثير الحرص عليهم فهذا كله يجعله يغضب ويثور، وما هكذا تكون الأنبياء والرسل انظر إلى الله يقول لمحمد صلّى الله عليه وسلم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ «١» وكثيرا ما كان يعالج القرآن ذلك عند النبي صلّى الله عليه وسلّم المعصوم والمبرأ من كل عيب فيقول:

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [سورة هود آية ١٢] .

ولهذا كان الأنبياء الذين بالغوا في الصبر والمثابرة وهم- إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح. ومحمد- صلوات الله عليهم جميعا- أولى العزم.

فيونس ذهب مغاضبا من أجل عصيان ربه، وليس مغاضبا ربه أو آبقا حقا، وإلا كان من مرتكبا لكبيرة لا تليق بالفرد العادي فما بال يونس النبي الكريم؟! الذي

يقول فيه المصطفى «لا تفضّلونى على يونس بن متّى» .


(١) سورة القلم الآية ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>