واذكر لهم يا محمد وقت اختبار الله لإبراهيم بأن كلفه بتكاليف يؤديها فقام بها خير قيام وأداها أحسن أداء، ولذا كان جزاؤه من الله- جل جلاله- أن قال له: إنى جاعلك إماما للناس تؤمهم في دينهم وتفصل بينهم في دنياهم، قال إبراهيم: وجاعل بعض ذريتي كذلك؟ وأجابه المولى: لا ينال عهدي بالإمامة الظالمون الذين ظلموا أنفسهم لأن الإمام مفروض أن يقوم بحراسة الدين وأهله والقيام على شئون الرعية ومنع الظلم، فإذا كان ظالما لنفسه فكيف يدفع الظلم عن غيره، وهذا هو حكم القرآن في الإمام وما شرطه فيه!! واذكر لهم إذ جعلنا البيت الحرام (الكعبة) مثابة للناس وملجأ، وجعلناه آمنا، من دخله كان آمنا ويتخطف الناس من حوله، واتخذوا أيها المسلمون من مكان إقامة إبراهيم مصلى، أى: فضلوه على غيره في الصلاة لشرفه بقيام إبراهيم فيه، فالأمر للندب لا للوجوب، وقد أمرنا إبراهيم وإسماعيل بأن يقوما بتطهير البيت من الأوثان ومن كل دنس ورجس يطهرانه للذين يطوفون به ويقومون عنده، والذين يركعون فيه ويسجدون، اذكر لهم يا محمد دعوة أبيهم إبراهيم لهذا البلد وأهله:
رب اجعل هذا البلد في أمن وطمأنينة، وارزق أهله من الثمرات أطيبها ومن خيرات الأرض أحسنها ارزق يا رب المؤمن منهم. وانظر إلى تكريم المؤمنين وبيان خطر الإيمان وشرفه، وفي هذا ترغيب لقومه في الإيمان وزجر عن الكفر، وفي حكاية القرآن هذا ترغيب لقريش وترهيب لها ولغيرها من أهل الكتاب، فأنت ترى أن إبراهيم خص طلب الرزق للمؤمنين. قال الرب- سبحانه وتعالى- ما معناه: والكافر أرزقه وأمتعه زمنا قليلا ثم ألجئه إلى عذاب النار وبئس هذا المصير.
واذكر يا محمد وقت أن رفع إبراهيم أساس البيت للبناء ومعه إسماعيل يعاونه قائلين:
ربنا اقبل منا وتقبل إنك أنت السميع لكل دعاء العليم بكل قصد ونية. ربنا واجعلنا منقادين لك ومخلصين، ثم أخذتهما الشفقة على أولادهما فدعوا الله بأن يجعل من ذريتهما جماعة مخلصة منقادة، وإنما دعوا للبعض فقط لأنهما يعرفان أن الحكمة الإلهية في وجود الصنفين ولا بد منهما، وبصرنا يا رب أمور عبادتنا وأسرارها وبخاصة مناسك الحج، وأقبل توبتنا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا وأرسل في ذريتنا رسولا منهم عرفوا عنه الصدق والأمانة، ويتلو عليهم آيات