جريمة الزنا إحدى الموبقات بل هي أشدها بعد الشرك بالله، ولا تحصل إلا من زان أو مشرك، وكان الواجب ألا تكون من مؤمن ولا مسلم، وهي من الخطورة بمكان. بحيث كانت أول حكم في تلك السورة، وما بعدها من أحكام فوقاية منها، وشرعت من أجلها، وانظر يا أخى إلى حده المخزى الزاجر، ثم إلى النهى عن الرأفة بالزاني والزانية وإن كان من يقيم الحد يؤمن بالله واليوم الآخر، فالغلظة معهما من مقتضيات الإيمان، ثم اشترط التشهير بهما والفضيحة لهما بشهود طائفة من الناس لعذابهما، وما بالك؟ بأن النهى كان عن القرب منه لا عن فعله فقط كغيره من المنكرات، وقد قرنه الله بالشرك وقتل النفس وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً [سورة الفرقان الآيتان ٦٨ و ٦٩] .
ثم انظر إلى ما رتب من أحكام على مجرد الاتهام به، وأنه لا يثبت إلا بالإقرار أو الشهادة من أربع شهود عدول.
مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني، فإن كان بكرا ببكر فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة على جسمه ما عدا الوجه والفرج.
وهذه عقوبة الزنا في الدنيا، وفي الآخرة أشد وأبقى. وهذا هو حكم الزنا مع غير الإحصان، أما المحصن وهو من سبق له زواج شرعي إن زنى فحكمه الرجم بالحجارة، وقيل البكر يجلد مائة ويغرب عاما، والمحصن يجلد ثم يرجم.
وكأن الزاني والزانية خرجا عن حدود الإنسانية إلى حد البهائم التي لا تردع إلا بالضرب والألم، أما الموعظة الحسنة فلم تعد تؤثر فيه.
ولا شك أن عقوبة الزنا كبيرة وشاقة، ولكنا نهينا عن أن تؤثر فينا الرأفة بهما وتقودنا إلى العطف عليهما في تنفيذ حد الله.
وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ من باب الإلهاب، واستنهاض الهمم، وشحذ العزيمة حيث علق تنفيذ العقوبة وعدم الرأفة بهما على الإيمان بالله واليوم الآخر كما نقول: إن كنت رجلا فافعل هذا.