بعد أن تكلم على الكافرين الظالمين الذين هلكوا بأعمالهم. أخذ يتكلم على أحوال الباقين منهم.
روى أنها نزلت في بنى قريظة من اليهود، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عاهدهم ألا يحاربوه وألا يعاونوا أحدا عليه فنقضوا عهدهم وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله، ثم قالوا: نسينا. فعاهدهم ثانية فنقضوا ومالئوا الكفار يوم الخندق، وركب كعب بن الأشرف زعيمهم إلى مكة فحالفهم على محاربة رسول الله.
[المعنى:]
إن شر الناس عند الله الذين كفروا وصدوا عن سبيله، ولجوا في العناد وأصروا على الكفر، وقد جعلهم القرآن شر الدواب إشارة إلى أنهم بلغوا درجة الحيوانات والدواب ومع ذلك هم شر منها إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا «١» وهم لذلك لا يؤمنون ولا يرجى منهم خير أبدا.
إن شر الناس عند الله، أى: في حكمه وقضائه: الذين كفروا، أى: الذين عاهدت منهم وأخذت العهد عليهم كبني قريظة ثم تراهم ينقضون العهد في كل مرة من المعاهدة والحال أنهم لا يتقون الله ولا يخافون حسابه وليس لهم ضمير أو ذمة يرعونها.
هذا حالهم عند الله، أما حكم من نقض العهد منهم فإن أمكنتك الفرصة منهم وثقفتهم في الحرب فاضربهم الضربة القاضية التي تفرق بها جمع كل ناقض للعهد حتى يخافك من وراءهم من أهل مكة وغيرها، افعل هذا لعل الذين خلفهم يتعظون بهم.
أما من أشرف على نقض العهد وبدرت منه بوادر تؤذن بأنه سينقض فهاك حكمه.
وإما تخافن من قوم خيانة بنقض العهد بأن لاح لك دلائل الغدر ومخايل الشر، والمراد بالخوف: العلم، فاطرح لهم عهدهم وانبذه لهم نبذ النواة مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة إن الله لا يحب الخائنين.