أَحَسَّ يقال: أحسّ الشيء: أدركه بإحدى الحواس الخمس، وإدراك الأمور المعنوية بها مجاز. الْحَوارِيُّونَ: هم أصحاب عيسى وأنصاره، والحور: البياض وصفوا به لبياض قلوبهم وصفاء سريرتهم. مَكَرُوا المكر: التدبير الخفى المفضى بالممكور به إلى ما لا يحتسب. مُتَوَفِّيكَ التوفي: أخذ الشيء تماما.
شروع في قصة عيسى مع قومه حيث دعاهم للإيمان به فآمن به البعض وكفر به البعض، ولم يتعرض القرآن الكريم هنا إلى ولادته ونشأته إيجاز واختصارا، وإنما ذكر هنا ما يفيد تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبيان أن الآيات الكونية مهما عظمت لا يتوقف عليها الإيمان وإنما الإيمان يتوقف على هداية الله وتوفيقه.
[المعنى:]
فلما تحقق كفرهم عنده تحقّق ما يدرك بالحواس، وعلم علما أكيدا بأن منهم الجاحدين والمنكرين توجه إلى البحث عن المستعدين لقبول الدعوة ومن في قلوبهم نور الإيمان فقال: من ينصرني ملتجئا إلى الله؟ ومن الذين يضيفون أنفسهم إلى الله في نصرتي ويكونون حزبى وجماعتي؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله ومن ينصر الرسول فقد نصر الله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء ٨٠] نحن أنصار الله آمنا به إيمانا صادقا واتبعنا رسله واشهد بأنا مسلمون إذ الإسلام في جوهره لا يختلف فيه دين عن دين.
ربنا آمنا وصدقنا بما أنزلت في كتابك واتبعنا الرسول عيسى ابن مريم، فاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبيائك بالصدق.
ومكر كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر وهموا بقتله وجمعوا جموعهم للفتك به وأبطل الله مكرهم فلم ينجحوا فيما دبروا وعبر عن ذلك بقوله: ومكر الله للمشاكلة، والمكر سيّئ وحسن، ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله والله خير الماكرين.
مكر الله بهم إذ قال الله يا عيسى: إنى موافيك أجلك كاملا ولن يعتدى عليك معتد أبدا، فهذه بشارة له بنجاته من مكرهم وتدبيرهم، ورافعك في مكان علىّ. فالرفع رفع مكانة لا مكان، كما قال تعالى في شأن إدريس- عليه السلام-: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [سورة مريم آية ٥٧] وكقوله في المؤمنين: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ