للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البنت تدفن حية. الصُّحُفُ: ما يسجل فيه العمل. كُشِطَتْ: أزيلت كما يكشط الجلد عن الذبيحة. سُعِّرَتْ: أوقدت نارها إيقادا شديدا.

أُزْلِفَتْ: قربت وأدنيت.

[المعنى:]

ابتدأ الله هذه السورة الكريمة بذكر علامات ودلائل تكون يوم القيامة. بعضها سابق عليه وبعضها يكون فيه، وعلى العموم فمقدمات البعث تكون بخراب الدنيا واختلال نظامها وهلاك كل من فيها، وذلك عند النفخة الأولى، في هذا الوقت تكور الشمس وتلف حتى لا يكون لها ضوء أو حرارة، والنجوم تتناثر وتسقط، وترجف الأرض وتضطرب فتزول الجبال من أماكنها، وتصبح كالعهن المنفوش، عند ذلك يملأ الخوف والاضطراب كل الكون، فلو فرض وكانت حياة عندئذ يذهل كل إنسان عن أعز شيء لديه، فتراه يهمل عشاره وكرائم ماله، بل تذهل كل مرضعة عما أرضعت لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ»

وترى الوحوش قد جمعت من كل مكان وأصبحت في صعيد واحد، والبحار سجرت بالزلازل حتى اختلطت وضاعت الحواجز بينها، وتعود بحرا واحدا، ويكون التسجير: معناه امتلاؤها بالماء. ولعل المراد بالتسجير هنا: ملؤها بالنار بدل الماء، ولا غرابة فباطن الأرض شديد الحرارة جدا بدليل البراكين التي تخرج منه، وليس ببعيد عند انتهاء الدنيا، أن تتشقق الأرض ويغيض الماء لتبخره، ثم يمتلئ البحر بالنار التي تخرج من باطن الأرض، تلك هي مقدمات البعث الأولى، وبعدها يكون البعث والحياة والنشور وهذا عند النفخة الثانية، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر آية ٦٨] .

هذه هي أولى مراحل البعث ذكرت بعد مقدماته، وإذا النفوس عادت إلى أبدانها، بعد أن كانت بعيدة عنها، وكانت الحياة الثانية لأجل البعث، وفيه يؤتى بالموءودة التي دفنت حية خوف الفقر أو العار، وتلك كانت عادة من عادات العرب في الجاهلية، فجاء الإسلام وحاربها وقضى عليها، واستبدل من أولئك الأعراب الذين كانوا يئدون


(١) - سورة عبس آية ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>