للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا تفسير للمسائل الثلاث التي حصلت من الخضر بحضور موسى، عليهما السلام، ولم يستطع صبرا عليهما لأنها تخالف شريعته في الظاهر.

ومن هنا نعرف أن الشرائع كلها مبنية على الظواهر العامة، والله وحده هو الذي يتولى السرائر، وهذا هو

الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أمرت أن أحكم بالظّاهر»

وفي حديث آخر يقوله لمن تعجل في الحكم وقتل من شهد الشهادتين:

«وهلّا شققت عن قلبه» !!

فموسى نبي صاحب شريعة يحكم بالظاهر على أن إفساد السفينة، وقتل الغلام تصرف في حق الغير على جهة الإفساد من غير سبب ظاهر، وإقامة الجدار فيه تحمل تعب ومشقة من غير سبب ظاهر ولهذا اعترض على صاحبه الخضر، وكرر الاعتراض.

أما الخضر فعالم علمه الله من لدنه علما ببواطن الأمور، وأوقفه على بعض الأسرار الخفية التي تبيح مخالفة الظاهر، ولذا كانت مرتبة الخضر العلمية فوق مرتبة موسى في هذه المسائل، والعلم ببواطن الأمور مرده إلى قوة النفس وصفائها وإشراقها والوحى هو الأستاذ الأول في ذلك، ويظهر- والله أعلم- أن الخضر نبي.

وقد جرى الخضر على أن المسائل الثلاث فيها تعارض بين ضررين: ضرر بسيط، وضرر جسيم، ففعل الأول دفعا للثاني، والذي علمه ذلك هو رب العالمين العليم الخبير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس لنا الآن أن ندعى العلم ببواطن الأمور التي تخالف الشرع، فتلك مرتبة مردها إلى قوة النفس ونزول الوحى!! ولسنا من أهلها.

[المعنى:]

أما السفينة التي خرقتها. وأنكرت علىّ ذلك يا أخى. فقد كانت لمساكين محتاجين يعملون في البحر للتجارة وصيد الأسماك وهي مرتزقهم في الحياة، وكان لهم ملك جبار ظالم نهم يأخذ لنفسه كل سفينة صالحة، ويغتصبها غصبا من أهلها بدون الرجوع إلى حق أو قانون.

فأردت أن أعيبها عيبا بسيطا حتى لا يستولى عليها الملك الظالم، وتبقى للمساكين فأنا لم أعمل سوءا، وإنما ارتكبت أخف الضررين وأحسن الأمرين بالنسبة لهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>