لقد مضى ذكر الكفار الذين أجرموا وعملوا السيئات، وما كان من حالهم يوم القيامة، وهنا الكلام على المؤمنين الذين عملوا الصالحات:
إنما يؤمن بآياتنا القرآنية والكونية، ويصدق برسلنا الذين إذا ذكروا بها، وتليت عليهم بعض آياتها خروا ساجدين لله بأعضائهم، وسبحوا بحمد ربهم، أى: جمعوا بين التسبيح والحمد حيث قالوا: سبحان الله وبحمده، وسبحان ربي الأعلى، وهم لا يستكبرون عن عبادته بقلوبهم، فهي عامرة بالإيمان، ترى في العبادة قرة عينها وراحة ضميرها إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر ٦] .
ترى أن الله- سبحانه- بين الدرجة العالية للمؤمن الذي إذا ذكر بالقرآن حصل منه سجود بالأعضاء، وحمد وتنزيه باللسان، وخضوع بالقلب والجنان، كل ذلك بمجرد التذكير لا خوفا من عقاب ولا طمعا في ثواب.
ثم ذكر صنفا أقل وهم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويبتعدون عن الفراش الوثير، ويهرعون إلى الصلاة يدعون ربهم خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، وهم ينفقون بعض ما رزقناهم في سبيل الله.
القيام بالليل والتهجد فيه لون من العبادة عال، وتوفيق من الله كبير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد ورد فيه مع هذه الآيات آيات وأحاديث كثيرة كلها تهدف إلى بيان فضله، وجزيل مثوبته.
ففي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أدلّك على أبواب الخير؟
الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل- قال: ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتى بلغ يَعْمَلُونَ أخرجه أبو داود.
وغير هذا الحديث كثير، وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية المراد بها التنفل بين المغرب والعشاء، وقيل: هو صلاة الرجل العشاء والصبح في جماعة، فإن هذا يستدعى انتظار الجماعة وهو مشغول بالذكر والتسبيح وصلاة النفل، فقد وصل التجافي أول الليل وآخره، هؤلاء الناس الذين قاموا بالليل أو انتظروا الجماعة في صلاة العشاء والصبح والناس نيام، قد أخفوا أعمالهم، وطهروا نفوسهم من الرياء