ما على المحسنين من سبيل، ولا على الذين أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم معتذرين بأعذار حقيقية، وقد تولوا، وأعينهم تفيض من الدمع حزنا لأنهم لم يجدوا ما ينفقون، ولم يستطيعوا الذهاب معه إلى القتال. وليس على هؤلاء وأولئك جناح.
إنما السبيل والذنب، والجناح والإثم على الذين يستأذنونك في التخلف عن القتال وهم أغنياء موسرون، يستطيعون القتال ويجدون الزاد والراحلة، ولكن ما بال هؤلاء يستأذنون وهم أغنياء؟! فأجيب بأنهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف الذين لا خير فيهم، كالنساء والصبيان، والعجزة والمرضى، ورضوا بأن يكونوا مع الذين شأنهم الضعة والدناءة، وكان من أسباب تخلفهم زيادة على رضائهم بالقعود مع الخوالف أن طبع الله على قلوبهم، وختمها حتى لا يصل إليها خير، ولا يدخلها نور، وهكذا أصحاب المعاصي تصدأ قلوبهم وتقسو حتى تصير كالحجارة أو أشد، فهم لا يعلمون الخير حتى يتوجهوا إليه، وهم بسبب ذلك لا يعلمون عاقبة ما فعلوا في الدنيا والآخرة.
هذا كلام مستأنف مسوق لبيان ما صدر من المتخلفين عند رجوع المؤمنين لهم.
يعتذرون إليكم أيها المؤمنون عن جميع سيئاتهم وأهمها التخلف عن القتال بغير عذر مقبول- والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، لأنهم كانوا يعتذرون إليهم جميعا- إذا رجعتم من الغزوة إليهم، قل لهم أيها الرسول: لا تعتذروا، وكأن سائلا سأل منهم لماذا لا نعتذر بما يبرر عملنا؟ فقيل لهم: لأنا لا نصدقكم أبدا فيكون اعتذاركم عبثا لا يترتب عليه ما تطلبون منه، والذي حملنا على هذا أن الله- سبحانه وتعالى- قد نبأنا من أخباركم، وأطلعنا على بعض نواياكم، وما تكنه سرائركم وخبر الله هو الحق، وقوله الصدق، ومن عرف الحق لا يقبل الباطل بحال، وسيرى الله عملكم ورسوله بعد الآن، فلم يعد لكلامكم وظواهر حالكم قيمة عند الله وعند رسوله، فإن تبتم وأنبتم، وعملتم صالحا من الأعمال فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وإن أصررتم على النفاق والكفر فسيعلمكم الرسول بما أمره الله به في هذه السورة من جهادكم والإغلاظ عليكم، ومنعكم من الخروج معه.