تالله لقد أرسلنا رسلنا كلهم بالحجج والمعجزات، مؤيدين بالبرهان والآيات وأنزلنا معهم الكتاب، أى: جنسه الشامل لكل كتاب كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن وأنزل معهم الميزان، أى: العدل في الأحكام، أى: أمر الرسل بذلك وهم أولو الأمر ومن يأتى بعدهم خلفا لهم كذلك، إذ هم الحراس على تنفيذ الأحكام.
أنزل الكتب من السماء، وأمر بالعدل في كل شيء ليقوم الناس بالقسط في معاشهم ومعادهم، وفي كل أمورهم الدينية والدنيوية.
وأنزل الحديد- خلقه وأنشأه- فيه بأس شديد، وقوة صارمة.
الله سبحانه قرن إنزال الكتب، والأمر بالعدل بإنزال الحديد، وفي هذه إشارة إلى أن الكتاب يمثل القوة التشريعية، والعدل يمثل القوة القضائية، وإنزال الحديد يمثل القوة التنفيذية، فإن تشريع السماء لا بد له من قاض يحكم به بالعدل، ولا بد لها من قوة تنفذ حكمها، فإن الحق وحده لا يسير إلا بالقوة، وكل ذلك ليقوم الناس بالقسط فإن الظلم من شيم النفوس وطبائعها.
وفي الحديد بأس شديد، وفيه منافع للناس. أليس هذا الكلام من أربعة عشر قرنا، في الوقت الذي لم يعرف العالم للحديد فيه كل منافعه، أليس هذا دليلا صادقا على أن محمدا ما قال هذا الكلام من عنده، وإنما هو الوحى الصادق من عند الله العالم بكل شيء، وأما منفعة الناس بالحديد فأمر ظاهر معروف لكل من عاش في هذا العصر، خلق الله كل ذلك لينتفع الناس، وليعلم الله من ينصره، وينصر رسله بالغيب، يا سبحان الله! كأن الله شرع الأحكام، وأمرنا بالعدل فيها ثم أرشدنا إلى السلاح والحديد لنعلم أنه لن تقوم قيامة هذا الدين إلا بالجهاد والاستعداد التام للحرب، والاستعداد للحرب يمنع الحرب كما يقولون، ولقد أضمر الله لفظ «لينتفع الناس»«١» وأظهر قوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ للإشارة إلى أن هذا هو المقصود وأن نفع الناس نفعا ماديا مقدمة له، إن الله لقوى عزيز، وهذا تذييل محكم في
(١) - هي المعطوف عليه، وهي مقدرة قطعا لوجود العاطف.