مُبارَكاً: كثير الخيرات والبركة. مَقامُ إِبْراهِيمَ موضع قيامه وعبادته حِجُّ الحج: القصد، وفي الشرع: قصد بيت الله الحرام للنسك.
وهذه هي الشبهة الثانية التي أثارها أهل الكتاب تكذيبا للنبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوى أنه على ملة إبراهيم. كيف تدعى أنك على ملة إبراهيم وأنك أولى الناس به، وإبراهيم وإسحاق والأنبياء بعدهم كانوا يعظمون بيت المقدس ويصلون إليه، فلو كنت على ما كانوا لعظمته، ولما تحولت إلى الكعبة فخالفت الجميع؟ والآية الكريمة تزيل الشبهة بأوضح بيان.
[المعنى:]
إن البيت الحرام الذي هو قبلة المسلمين في الصلاة والدعاء، وإليه تتجه أنظارهم وتهفو قلوبهم، أول بيت وضع معبدا للناس وأسس لذكر الله فيه، بناه إبراهيم وإسماعيل وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ثم بنى المسجد الأقصى بعد ذلك بقرون، بناه سليمان بن داود.
فصح بهذا أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم على ملة إبراهيم وإسماعيل ويتوجه كما يتوجهون.
فالبيت الحرام أول بيت وضع ليعبد الناس فيه ربهم، وهذه الأولية في الزمان يلزمها الأولية في الشرف والمكانة. ولهذا البيت مزايا:
فهو مبارك كثير الخيرات. إذ هو بصحراء وتجبى إليه ثمرات كل شيء، ففيه الفواكه وفيه من خيرات الله الشيء الكثير، ولا مانع أن يكون كثير البركة في الثواب والأجر وهو هداية للناس. ويتوجهون إليه في صلاتهم وتهواه أفئدتهم، على أنه مصدر لهداية النفوس التي تحجه وتعتمر فيه رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [سورة ابراهيم آية ٣٧] ، وفيه آيات واضحات لا تخفى على أحد. منها مقام إبراهيم للصلاة والعبادة، تعرف ذلك العرب جميعا بالتواتر.
ومن دخل حرمه كان آمنا على نفسه مطمئنا على ماله حتى ولو كان مطلوبا للثأر، يعرف ذلك العرب في الجاهلية، وقد أقرهم الإسلام على ذلك.