كان الكفار لسوء تفكيرهم، وغرورهم بأنفسهم يقولون: إن كان محمد صادقا في أن هناك بعثا، فنحن في المنزلة العليا والدرجة الرفيعة، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ «١» .
وهنا بين الله للكفار الفجار منزلتهم يوم القيامة فقال: إنهم عند ربهم يومها لمحجوبون عن رؤيته، ولممنوعون عن خيره وبره، ثم إنهم يومها لداخلون جهنم، وذائقون حرها وجحيمها، ثم يقال لهم من قبل الملائكة تأنيبا وتوبيخا: هذا هو العذاب والجزاء الحق الذي كنتم إذا سمعتم خبره تكذبون به وتكفرون، وها أنتم أولاء قد عاينتموه بأنفسكم بل وذقتم مره! «كلا» ردع لهم عما هم فيه ليعقب بوعد الأبرار كما عقب سابقا بوعيد الفجار، إن كتاب الأبرار لفي عليين، نعم كتاب حسناتهم مسجل في ديوان عمل الأبرار.
فسيجازون على عملهم أحسن الجزاء، والعرب تصف ما يدل على السرور والسعادة بالعلو والطهارة والفسحة والوجاهة، كما أن وصف الشيء بالسفل والضيق والظلمة يدل على الحزن والكآبة لذلك كان كتاب الأبرار في عليين، وكتاب الفجار في سجين، والقرآن عرفنا بكتاب الأبرار حيث قال: وما أدراك ما عليون؟ هو كتاب مرقوم معلوم، بين الكتابة واضح الرسوم، يشهده المقربون من الملائكة ويحافظون عليه، أو يشهدون على ما فيه، هذا حال كتاب الأبرار فما حالهم هم؟ إن الأبرار لفي نعيم على السرر يجلسون وينظرون إلى ما أعد لهم، وإلى ما أعد للفجار المذنبين، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ورونقه، يسقون من خمر خالص جيد لا غول فيه، ولا هم عنها ينزفون، قد ختم باسمهم إكراما لهم، ختامه مسك، وفي ذلك فليتبار المتبارون في تخليصه، وليتنافس المتنافسون في الحصول عليه.
وشراب المؤمنين في الجنة خمر جيدة قد مزجت بعين يقال لها تسنيم لأنها عين مرتفعة حسا ومعنى: أعنى عينا يشرب منها المقربون السابقون، فهي معدة ليكرم الله بها أولياءه وأحبابه.