للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

ولقد آتينا إبراهيم رشده، ووفقناه لوجوه الصلاح والخير، وآتيناه الحكمة من قبل ذلك، وكنا به عالمين، وهذا يفيد أن إبراهيم- عليه السلام- خلق ونفسه مطبوعة على التوحيد، وحب الخير والنظر السليم للأمور، لهذا لم يعجبه ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تحس ولا تشعر!! واذكر إذا قال إبراهيم لأبيه وقومه: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، وعلى عبادتها مقيمون؟!! وهذا استفهام المراد منه التجاهل والتحقير لشأنها مع علمه بأنهم يعظمونها ويجلونها، وهو يفيد إنكار عبادتهم لها.

وانظر إلى الجهل المطبق، والعمى عن طرق الخير والسداد، وانظر إليهم وهم يجيبونه على سؤاله حيث قالوا: إنا وجدنا آباءنا لها عابدين!!.

ما أقبح الجهل! وما أتعس الجهلاء!! ليس في أصنامهم وأوثانهم من خير أبدا، وليس فيها فضل أبدا، وليس معها مقتض للعبادة والتقديس إلا أن آباءهم لها عابدون؟

وأنهم على آثارهم مقتدون: يا للعار! ويا للشنار!! وما أعظم كيد الشيطان حين استدرجهم إلى تقليد آبائهم في عبادة التماثيل، وهم معتقدون أنهم على شيء، ويجادلون بالباطل أهل الحق! ألا لعنة الله على الضالين المقلدين.

وأما إبراهيم فقال لهم: لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين، وفي العبارة من التأكيد ما لا يخفى حيث قال: «أنتم» وقال «في ضلال» ... نعم أنتم وآباؤكم منخرطون في سلك، ومجتمعون في شمل واحد حيث عبدتم حجرا أو خشبة، وسندكم في عبادته هوى متبع وشيطان مطاع.

أما هم فحينما صدموا بهذا الرد الشديد، والحجة التي قرعت أسماعهم، وملأت نفوسهم ألما وحزنا قالوا متعجبين: أجئتنا بالخير والحق الصريح أم أنت من اللاعبين الهازلين؟! وهكذا المغرور المخدوع حينما يجابه بالحقائق الناصعة يستبعد أن ما عليه هو وأبوه ضلال وخطأ، فيتعجب لذلك.

قال إبراهيم: ربكم الذي يستحق العبادة والتقديس وتعفير الوجه له بالتراب، رب السموات والأرض الذي فطرهن، وخلقهن على مثال عجيب ووضع دقيق وأنا على

<<  <  ج: ص:  >  >>