وكان في مكان منعزل عنه: يا بنى، اركب معنا سفينة النجاة، وإياك يا بنى أن تكون مع الكافرين المهلكين.
وكان هذا الابن عاصيا لوالده، غير مطيع لأمره كافرا برسالته ووحيه ولذا قال مجيبا أباه: سآوى إلى جبل يحفظني من الماء، يا سبحان الله!! من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل الله فلا هادي له.
نوح يبصّر ابنه طريق الخير فيأبى إلا طريق الشر، ويقول: سألجأ إلى جبل يحفظني من طغيان الماء كأنه فهم أنه ماء من بحر أو نهر له حد محدود يقف أمام ربوة عالية أو جبل شامخ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة القصص آية ٥٦] قال نوح ردا على كلامه وحجته الواهية: يا بنى لا شيء في الوجود يعصم أحدا من أمر الله إذا نزل ويرد قضاءه إذا حكم لكن من رحم الله من الخلق فهو وحده يعصمه ويحفظه، وقد جعل السفينة منجاة للمؤمنين.
وبينما هم في هذا النقاش حال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين.
وقيل: يا أرض ابلعي ماءك وجففيه، ويا سماء أقلعى وكفى عن المطر وامنعيه، وما هو إلا أمر وامتثال، أمر من قال للشيء كن فيكون، فهو أمر تكويني يوجه للعقلاء وغيرهم..
وغاض الماء عقب هذا الأمر، وقضى الأمر، ونجا المؤمنون، وهلك الكافرون فهل من مدكر؟!! واستوت السفينة واستقرت على الجودي، وقيل بعدا وهلاكا، وطردا وعذابا أليما للقوم الظالمين.
ويقول المفسرون مجمعين: إن هذه الآيات من البلاغة بالمحل العالي، والمكان المرموق.