إن في ذلك القصص الذي مضى لآية قوية وحجة ظاهرة على أن هذا الكون يجرى على سنن مرسوم ووضع مقصود لله- سبحانه وتعالى-، وإنه لآية لمن يؤمن بالآخرة والحياة فيها وأنها محل الثواب والعقاب، أما من لم يؤمن بها ويقول إن عذاب الأمم كان طبيعيا فالغرق والصاعقة والزلازل أمور طبيعية ليست إلهية فنقول له على رسلك:
إن عذاب الأمم أتى بعد إنذار الرسل لأقوامهم. وقد كان محددا بوقت تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ.
وإنه لآية على أن عذاب الآخرة. ذلك اليوم المعد له يوم مجموع له الناس للحساب وذلك يوم مشهود فيه، يشهده الخلق جميعا.
وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء مدة محدودة في علمنا وتلك هي عمر الدنيا.
يوم يأتى ذلك اليوم المعهود المعروف لا تتكلم نفس إلا بإذنه- سبحانه- فهو صاحب الأمر والنهى والإذن يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [سورة النبأ آية ٣٨] يوم تخضع فيه الأصوات فلا تسمع إلا همسا يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [سورة طه آية ١٠٩] هو يوم شديد هوله، طويل وقته مختلف حاله فتارة يؤذن لهم بالكلام فيعتذرون ويندمون وطورا جامدون جمود الصخر لشدة الهول، ونفى الكلام إلا بإذنه يفسر لنا الجمع بين الآيات المثبتة للكلام والنافية له.
فمن الناس شقي حقت عليه الكلمة وعمل عمل أهل النار، ومنهم سعيد، أريد له الخير فعمل عمل أهل الخير، وكل ميسر لما خلق له.
فأما الذين شقوا في الدنيا بالعمل الفاسد والاعتقاد الزائغ، ففي النار مستقرهم ومثواهم، لهم فيها زفير وشهيق من شدة الكرب، وضيق الصدر بما حل بهم فهم يتنفسون الصعداء تكاد صدورهم تخرج من شدة الحزن والبكاء خالدين فيها وباقين بها ما بقيت السموات والأرض، وهل تبقى السموات والأرض؟ نعم تبقى بشكل