الصواب الملتئم مع النسق العام للقرآن في نظرنا والله أعلم بمراده قال بعضهم: لقد همت به ليفعل بها، ولولا أن رأى برهان ربه وتذكر جلاله وأمره ومراقبته لهمّ بها وفعل.. ترى أنه لم يهم بها قط لأن رؤيته برهان ربه قد سبق الهم ومنعه.
وقال البعض: إن أساليب اللغة قد تمنع مثل هذا الفهم في الآية (إذ جواب لولا لا بد أن يؤخر عنها) ولنا أن نجيب عن هذا بأن الجواب مقدر بقوله: لفعل ولفظ هم المتقدمة دليل الجواب. لا الجواب.. وبعضهم قال: إنما الرأي أن هذه الحادثة وقعت ليوسف قبل النبوة والرسالة على أن الهم الذي حصل إنما هو بمقتضى الطبيعة والفطرة الإنسانية البشرية ويوسف وقتئذ شاب يافع قوى فتى على أنه هم ولم يفعل إذ ما أن هم بمقتضى الطبيعة حتى تذكر ربه فكف نفسه بعد أن أثارتها الطبيعة، والعيب أن يرتكب الإنسان الخطيئة لا أن يهم بها فيمنعه دينه ولذا يقولون: إنه هم وما ألم، ومن هم بسيئة فلم يفعلها كتبها الله له عنده حسنة كاملة.
وخلاصة الرأيين، أن الكل متفق على أن يوسف لم يفعل سيئة قط وإنما الرأى الأول يقول إنه ما أهم لرؤية برهان ربه فرؤية البرهان منعت الهم والرأى الثاني أنه هم بدواعى الطبيعة ثم جاء الكف والمنع من وقوع المعصية برؤية البرهان وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [سورة الإسراء آية ٧٤] .
وللمفسرين أقوال وأحاديث وروايات منقولة عن الإسرائيليين وغيرهم كثيرة وتتنافى مع مقام النبوة وشرف الرسالة أردنا أن نعرض عنها حتى تموت في بطون أصحابها.
مثل ذلك فعلنا وتصرفنا مع يوسف لأنا نعده لتحمل أعباء الرسالة في المستقبل ولنصرف عنه السوء يا سبحان الله لم يقل القرآن لنصرفه عن السوء إذ فرق العبارتين كبير!! ولنصرف عنه الفحشاء، إنه من عبادنا المصطفين الأخيار الذين اختارهم ربهم وأخلصهم من شوائب المعاصي وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ. إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ [سورة ص ٤٥- ٤٧] .
وللشيخ رشيد رضا- رحمه الله- وأجزل ثوابه رأى في هذه الآية خلاصته: ولقد همت بإيذائه وضربه بعد عصيانه أمرها وطلبها بلطف ولين وهذا شأن المرأة همت بضربه والبطش به لعصيانه أمرها وإفساده حيلها وهم هو برد الاعتداء وبمقابلته بالمثل لولا أن رأى برهان ربه، واستبقا الباب كل يريد أن يصل إليه فطلبه يوسف ليفر منها وطلبته