ولما رأوا أن الموقف جد خطير، ولا ينفع فيه إلا الاستعطاف. قالوا: يا أيها العزيز إن لهذا الأخ أبا شيخا طاعنا في السن كبير المقام جديرا بالرعاية والعناية وهو سلوته، وموضع أنسه ومحط أمله، وعوضه عن ابنه المفقود فخذ أحدنا مكانه رحمة بهذا الشيخ الكبير إنا نراك من الذين يحسنون العمل، ويعملون الصالح، فسر على عادتك وتقبل طلبنا.
قال يوسف: معاذ الله!! وحاش لله أن نخالف شريعتكم وشريعة الملك هنا، ونأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده وانظر إلى قوله وجدنا متاعنا ولم يقل من سرق متاعنا فإنه لم يسرق أبدا.
إنا إذا أخذنا غيره لنكونن من الظالمين لأنفسهم المتجاوزين حدود الشرع.
ردهم يوسف ردا شديدا مبينا لهم أن هذا الرأى مما يستعاذ منه.. فلما يئسوا من فكاك بنيامين يأسا بليغا خلصوا من القوم، وانفردوا تاركين الناس ليجتمعوا اجتماعا خاصا للنجوى والتشاور فيما دعاهم ولم يكن في الحسبان.
قال كبيرهم سنا أو عقلا ولذا قيل هو يهوذا أو غيره: يا إخوتى إن هذا لحدث الأحداث.. ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم عهد الله وميثاقه المؤكد لتأتننى به إلا أن يحاط بكم؟ ألم تعلموا ما فرطتم في يوسف وقصرتم في حفظه من قبل؟ يا قوم إن الأمر جد خطير فماذا أنتم فاعلون؟!! إذا كان الأمر كذلك فلن أفارق أرض مصر أبدا وأترك بنيامين فيها حتى يأذن لي أبى في ذلك، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين، والرأى عندي: أن ارجعوا إلى أبيكم فقولوا: يا أبانا إن ابنك سرق صواع الملك، فاسترقه وزيره عملا بشريعتنا، وما شهدنا عليه بالسرقة وجزائها إلا بما علمنا علما أكيدا حيث أخرج الصواع من متاع بنيامين، وقد أقررنا له أولا أن من يوجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى في شريعتنا الظالمين، حصل هذا كله، وما كنا للغيب المستور حافظين وعالمين أنه سيسرق وعاء الملك وسيأخذه فيه، ولو كنا نعلم هذا لما آتيناك العهد الموثق علينا.
وإن كنت في شك من أمرنا فاسأل أهل القرية التي كنا فيها ساعة أن فتشنا العزيز وهي مصر فقد اشتهر فيهم أمر هذه السرقة، واسأل العير وأصحابه الذين كانوا يمتارون معنا وإنا لصادقون في أقوالنا على أى حال.