فاقتلوهم إذا هم بدءوكم واعتدوا عليكم، واستمروا في قتالهم حتى لا تكون لهم قوة أصلا تمكنهم من أن يفتنوكم عن دينكم أو يفتنوا غيركم، واستمروا في قتالهم حتى يكون الدين خالصا لله لا دخل للشيطان فيه، وحتى يأمن المسلم في الحرم فيظهر دينه فيكون الدين لله فقط.
وقد كان الكفار بمكة في أمن وطمأنينة يقيمون الباطل ويعبدون الأصنام، والمسلمون مطرودون منها ومن بقي فهو خائف لا يظهر دينه ولا يجاهر به.
فإن انتهوا بعد هذا فلا اعتداء منكم إلا على من ظلم تأديبا لهم وإصلاحا. وذلك بإقامة الشرع وأحكامه فيهم.
ولقد وضح الله الحكمة في أمر المسلمين بالقتال في الأشهر الحرم بهذه الآية، وذلك أن المشركين قاتلوهم في ذي القعدة عام الحديبية، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهيتهم القتال في الأشهر الحرم: الشهر الحرام بالشهر الحرام، وهتكه بهتكه، والقتال فيه كالقتال في السابق، والحرمات التي يجب المحافظة عليها واجب فيها القصاص والأخذ بالمثل، فالممنوع الحرب الهجومية والبدء بالقتال، أما الدفاع والأخذ بالثأر فليس ممنوعا.
فمن اعتدى عليكم بحرب أو غيره فجازوه بمثله، واعتدوا عليه اعتداء مماثلا، واتقوا الله ولا تظلموا، ولا تعتدوا، واعلموا أن الله مع المتقين بالمثوبة والتأييد والنصر: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (سورة الحج: ٣٨) .
والقتال في سبيل الله يتوقف- كغيره- على المال، ولذلك أمرهم الله بالإنفاق في سبيله إذ الإنفاق في الحروب وسيلة النصر وطريق الفوز، واحذروا عدم الإنفاق فإنه مهلكة للأمة مضيعة للجماعة، ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك بالإمساك وعدم الإنفاق، وكذلك الدخول في الحرب بغير بصيرة ولا استعداد، بل أنفقوا المال وأعدوا الرجال، وحصنوا أنفسكم بالعلم والخلق، وأبعدوا ضعفاء النفوس الذين يقبلون الرشوة ويبيعون الأمة والجيش لقاء مال زائل وعرض فان، فهؤلاء أشد خطرا من العدو، وأحسنوا كل شيء يتعلق بالحرب، واعلموا أن الله يحب المحسنين ويجازيهم أحسن الجزاء.