الكون، ومن رحمته إرسالك من أنفسهم وأنت عزيز عليك عنتهم حريص عليهم بالمؤمنين رءوف رحيم هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة الجمعة آية ٢] ، وهذا القرآن الذي معك فيه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة.. فكيف يكفرون بالرحمن؟!! قل لهم يا محمد: هو ربي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الذي كفرتم به وأشركتم به غيره وهو الله الأحد الفرد. الصمد. الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، عليه وحده توكلي وإليه وحده توبتي ورجوعي، وهذا بيان لفضل التوبة ومقدارها، وحث عليها إذ أمر بها- عليه الصلاة والسلام- وهو المنزه عن اقتراف الذنوب والآثام.
وروى أن نفرا من مشركي مكة فيهم أبو جهل، وعبد الله بن أمية جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسخ فإنها أرض ضيقة فلست- كما زعمت- بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخّر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد سخرت لسليمان الريح كما زعمت فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود. وأحيى لنا جدك قصى ابن كلاب أو من شئت أنت من موتانا نسأله أحق ما تقول أنت أم باطل! فإن عيسى كان يحيى الموتى ولست بأهون على الله منه فأنزل الله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ.
ولو ثبت أن قرآنا سيرت به الجبال وزحزحت عن أماكنها كما فعل بالطور لموسى، أو لو ثبت أن قرآنا شققت به الأرض وجعلت أنهارا وعيونا كما حدث للحجر حين ضربه موسى بعصاه، أو لو ثبت أن قرآنا كلم به أحد الموتى في قبورهم وأحياهم بتلاوته كما وقع لعيسى- عليه السلام- لو ثبت هذا لشيء من الكتب لثبت للقرآن المنزل على محمد لما اشتمل عليه من الآيات الكونية الدالة على عظم قدرة الله وبديع صنعه، ولما انطوى عليه من الحكم والأحكام التي فيها صلاح العباد في المعاش والمعاد، ولما فيه من القوانين الاقتصادية والسياسية والعمرانية التي تكفل للأمة أن تعيش عيشة سعيدة وتكون خير أمة أخرجت للناس.