للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى أن اليهود عابت رسول الله بكثرة النساء، وقالوا لو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء

. وقد لجوا في طلب الآيات كما تقدم، فرد الله عليهم ليس محمد بدعا من الرسل، ولقد أرسلنا قبله رسلا وكانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويفعلون كل ما يفعله البشر قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف ١١٠] وصدق الله فهذا تسجيل في القرآن لا يقبل شكا ولا جدلا وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً

وفي الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمّا أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللّحم، وأتزوّج النساء فمن رغب عن سنّتى فليس منّى»

. وأما الآيات المقترحة فتلك نغمة رددها القرآن ورد عليها كثيرا بما يفيد أن الرسول رسول فقط والآيات من عند الله، وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله وأمره، وقد جاءكم القرآن وكفى به معجزة خالدة باقية ثابتة على جهة التحدي والإفحام.

والآيات لا تأتى اعتباطا ولكنها لحكمة وفي زمن، الله يعلمه لكل أجل كتاب أى:

لكل مدة مضروبة ووقت معلوم كتاب مكتوب، وكل شيء عنده بمقدار إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [سورة القمر آية ٤٩] لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [سورة الأنعام آية ٦٧] وقيل المعنى: لكل كتاب أجل، أى لكل أمر كتبه الله أجل معين ووقت معلوم، فليست هناك آية مقترحة بنازلة قبل أوانها، ولا عذاب استعجلوه بنازل قبل أوانه، فالآجال والأعمار والأرزاق والأحداث، كل ذلك بقضاء الله وقدره، وله وقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية ٣٤] .

يمحو الله ما يشاء من الأحداث الكونية والإنسانية ويثبت ما يشاء من هذا كله في الخارج، وعنده- سبحانه وتعالى- أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، أو علمه- جل شأنه- ثابت أزلا لا يتغير ولا يتبدل كل شيء على حسب علمه ووفق إرادته، والمعنى يمحو ويثبت في الخارج ما يشاء، وعلمه لا يتغير ولا يتبدل وهو موافق لما في اللوح المحفوظ، ومظاهر المحو والإثبات نراها في كل لحظة من ليل ونهار، وشمس وقمر، ونور وظلام، وحياة وموت، وقوة وضعف، وزرع وحصاد إلى آخر ما في الأحداث الكونية، هذا المحو والإثبات خاضع لعلمه القديم الذي لا يتغير ولا يتبدل، وعلى هذا فالآية رد- أيضا- على اقتراحهم الآيات حيث كان المحو والإثبات خاضع لمشيئة الله ولقانونه الذي وضعه، وهو لكل كتاب أجل محدود لا يتقدم ولا يتأخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>