ولقد رد عليهم فقال ما معناه: لسنا ننزل الملائكة أبدا إلا تنزيلا متلبسا بالحق من عندنا والحكمة التي نعلمها، وليس هناك حكمة في أن تروا الملائكة عيانا يشهدون بصدق النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، أو المعنى: ما ننزلهم بالعذاب إلا بالحق وفي الوقت المقدر بالضبط، ولو نزلنا الملائكة وقتئذ ما كانوا منظرين، وما أخر عنهم العذاب لحظة.
وهذا رد على مقالتهم الثانية:
وأما الرد على الأولى فها هو ذا: إنا نحن نزلنا الذكر- فأكد لهم أنه- سبحانه- هو المنزل على سبيل القطع والجزم، وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلم وبين يديه ومن خلفه حفظة ورصدة يحفظون القرآن حتى يبلغه جبريل إلى النبي محفوظا تاما غير منقوص ولا مزيد فيه، نعم إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، وتلك خصوصية للقرآن قد تكفل الله وحده بحفظه ورعايته ما دامت السموات والأرض ولذلك لم ير فيه في أى وقت ولا في أى مكان زيادة أو نقصان ولا تحريف ولا تبديل بخلاف الكتب السابقة حيث وكل الله أمر حفظها للربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا وعدوانا واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وعرضا حقيرا فكان التحريف والتبديل الظاهر في كل طبعة من طبعات الكتب السابقة إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ
[سورة المائدة آية ٤٤] .
وأما أنت يا محمد فلست بدعا من الرسل- والناس هكذا قديما وحديثا- فلا تأس على القوم الكافرين، ولقد أرسلنا من قبلك رسلا مبشرين ومنذرين في شيع وفرق وأمم سابقة، وما أتاهم من رسول قبلك إلا كانوا به يستهزئون، وعليه غاضبون، وبه كافرون، وتلك سنة الله في الخلق.
مثل ذلك التكذيب والكفر الذي أدخل في قلوب المجرمين السابقين ندخله في قلوب المجرمين المعاصرين، أو المعنى: مثل ذلك الإدخال ندخل القرآن مكذبا به ومستهزئا به في قلوب المجرمين حالة كونهم لا يؤمنون أبدا مهما حاولت وفعلت، ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فعرجوا فيه وصعدوا إلى السموات العلا ورأوا من آيات ربك الكبرى، وكان ذلك في وضح النهار وتحت نور الشمس لو حصل هذا لقالوا: إنما سكرت أبصارنا وحبست عن الإبصار ونحن في حيرة وارتباك، وعبارتهم تفيد حصر