المؤمن هي مصدر فضائل الحق والخير والنور والهدى، بل هي الحياة التي يعنيها القرآن الكريم، أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [سورة الأنعام آية ١٢٢] .
هذا البشر المكون من مادة وروح هو الذي أراد له أن يكون خليفته في الأرض هو الذي يصلح لعمارتها، فهو من الأرض وقد عادلها، وفيه نوازع الشر، ونوازع الخير، وعليهما تسير الحياة ويعمر الكون وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها «١» أما من خلق من نور خالص فليس فيه هذا الاستعداد والله أعلم بخلقة ولذا رد الله الملائكة بقوله:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [سورة البقرة آية ٣٠] .
هذا الإنسان المخلوق من طين وروح أمر الله ملائكته بالسجود له. سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وتقديس، وله- سبحانه- أن يفضل من يشاء على من يشاء إذ بيده الأمر كله.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين. وما منعك يا إبليس من السجود وقد أمرك ربك وخالقك؟! إنما منعه من السجود استكباره، وتعاليه وسرعة انفعاله وغضبه.. ألم يخلق من نار فيها خصائص التعالي والارتفاع والسرعة والانفعال؟! قال الله: يا إبليس ما المانع لك في ألا تكون مع الساجدين قال إبليس المغرور المخدوع غير الموفق: لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون!! ما كان ينبغي لي السجود لبشر أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، ومن إجابة إبليس يمكننا أن نتأكد من أبرز صفاته وهي الكبر والتعجل والغضب.
وقد أجابه الله على موقفه هذا، قائلا: فاخرج من السموات أو من الجنة أو من عداد الملائكة، فإنك مرجوم مطرود، وإن عليك اللعنة من الله إلى يوم الدين.
قال إبليس: رب فأمهلنى إلى يوم يبعثون. أراد بسؤاله هذا ألا يموت. فأجابه الله بقوله: فإنك من المنظرين المؤجلين إلى البعث ثم لا بد من موتك وحسابك كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [سورة الرحمن آية ٢٦] .