والتبليغ والرسالة. انظر إلى قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [سورة النساء آية ٤١] ، ثم لا يؤذن لهؤلاء الكفار في الاعتذار والدفاع عن أنفسهم إذ لا حجة لهم، وإيراد «ثم» يفيد أن منعهم من الكلام والاعتذار أشد عليهم من شهادة الأنبياء والرسل عليهم.
ولا هم يستعتبون إذ لا فائدة من العتاب مع العزم على السخط وعدم الرضا، ولا هم يسترضون أى: يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست دار تكليف وعمل:
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم يوم القيامة- وقد رأوا بأعينهم ما وعدهم ربهم حقا قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوهم ونعبدهم من دونك!! يا حسرتنا على ما فرطنا في جنبك يا رب وهم يقصدون بذلك إحالة الذنب والإثم على هؤلاء الشركاء.
وهذا عمل المتخبط المتحير في عمله.
أما الشركاء فألقوا إليهم القول، وردوا إليهم دعواهم أسوأ رد، قالوا لهم: إنكم أيها الشركاء، لكاذبون فيما تزعمون وتدعون، وتعللون به أنفسكم.
وألقى المشركون إلى الله يومئذ السلم، واستسلموا لقضاء الله مكرهين وانقادوا لعذابه الشديد، وضل عنهم ما كانوا يفترونه ويدعونه من أن لله شركاء ستشفع لهم، وتدفع عنهم السوء.
الذين كفروا، وصدوا عن سبيل الله وهو طريق الحق والإسلام زدناهم عذابا فوق العذاب، وألما فوق الألم بما كانوا يفسدون. ويوم نبعث من كل أمة شهيدا يشهد عليهم من أنفسهم إتماما للحجة، وقطعا للمعذرة، وتأكيدا لما مضى.
وجئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء الأنبياء، فأنت الحكم العدل الذي تقضى بين الأمم وأنبيائها، وكتابك الذي أنزل عليك هو المهيمن على ما سبقه من الكتب وشاهد على رسالاتهم.
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء، وكان كتابك فيه البيان الشافي والدواء الناجع الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام آية ٣٨] وهو الهداية للناس، والراحة والبشرى التامة للمسلمين خاصة.