كل ذلك عهد الله إن عهده كان مسئولا، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وتأكدها وليس النهى خاصا باليمين المؤكدة. بل كل يمين وإنما المؤكدة إثمها أعظم وهذا التعظيم مخصوص بما
ثبت في الصحيحين من قوله صلّى الله عليه وسلم:«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذى هو خير وليكفّر عن يمينه» .
وكيف تنقضونها؟ وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، وشاهدا وحفيظا، وإن الله يعلم ما تفعلون.
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض فقال:
ولا تكونوا فيما تفعلون من النقض كالتي نقضت وأفسدت ما غزلته من بعد قوة وإحكام وعمل وإجهاد، نقضته أنكاثا ونقضا شديدا، بل ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلا وفسادا بسبب أن تكون أمة هي أربى وأزيد من جماعة أخرى.
والمعنى لا تتخذوا الأيمان دخلا وخديعة للناس بسبب أن تكون جماعة أقوى من جماعة فتنقضوا اليمين لمصلحة تافهة حقيرة.
إنما يبلوكم الله بهذا، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ومن بلائه للناس أن جعلهم مختلفين ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة لا اختلاف فيها أبدا، ولكن لحكمة هو يعلمها يضل من يشاء ممن رأى في سابق علمه أنه لو ترك ونفسه لما فعل إلا الضلال والبهتان، ويهدى من يشاء ممن اطلع عليه في سابق الأزل فرآه يميل إلى الخير ولو ترك وشأنه لما فعل إلا الخير.
ولتسألن عما كنتم تعملون، وأما ربك فلا يسأل عما يفعل- سبحانه وتعالى-، ويظهر والله أعلم أن القرآن أعاد النهى عن اتخاذ الأيمان دخلا لأنها أيمان خاصة في البيعة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بدليل المبالغة في قوله فتزل قدم بعد ثبوتها، ولا تتخذوا أيمانكم فسادا وخديعة بينكم ثم تنقضوها فتزل قدم بعد ثبوتها ورسوخها، وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم وبلاء كثير كمن تزل قدمه فيقع في الخطر، وتذوقوا العذاب السيئ الشديد بما صددتم عن سبيل الله فإن الذي يبايع ويدخل في الدين ثم يخرج منه كان دخوله وخروجه مشجعا لغيره وداعيا للفساد ومزلزلا لعقائد العامة، ولكم عند ذلك عذاب عظيم.