للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك خلاصة خالصة أما وشيها وطرازها فباب عجيب من الرموز الفلسفية العميقة التي لا يقف عليها إلا كل من صفت نفسه وزكت روحه، ومن هذه الرموز

قوله صلّى الله عليه وسلم «فجاءني جبريل بإناء من خمر وآخر من لبن فأخذت اللّبن فقال جبريل: أخذت الفطرة»

، أوليس دين الإسلام دين الفطرة؟!! ولقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الرحلة الإلهية العلوية رموزا تشير إلى مجتمع عال نظيف خال من الربا والزنى والسرقة والقتل مع تحلى أصحابه بالجهاد والصدق وحسن الاقتصاد، وسرعة القيام إلى الصلاة.

أليس في إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم للأنبياء جميعا إشارة إلى كمال رسالته، وأنهم جميعا سبقوه مبشرين به، وأن من لم يؤمن فما آمن بنبيه فدينه جمع المحاسن كلها، وكان وسطا بين مادية اليهود وروحانية النصارى، وكانت أمته وسطا عدولا شهودا على الأمم السابقة، وقد جمع صلّى الله عليه وسلّم. قوة موسى، وزهد عيسى، وجدل إبراهيم، وصبر أيوب، وما امتاز به كل نبي.

وهي تشير إشارة صريحة إلى أن هذا النبي قد سمت روحه الكريمة سموا طغى على الناحية المادية فيه حتى صار نورا إلهيا ونجما سماويا ألم يشق جبريل صدره الكريم ويغسله من أدران المادة؟!! ألم يقل الله لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فهذه العبارة نص على ارتفاع النبي صلّى الله عليه وسلّم فوق الزمان والمكان والحجاب والحواس، ومرجع ذلك كله إلى قدرة الله لا قدرته هو بخلاف ما لو كانت العبارة ليرى من آيات ربّه فإنها تفيد أن الرؤيا في حدود القدرة البشرية، وتحويل فعل الرؤيا من صيغة إلى صيغة دليل على تحويل الرائي وهو المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من شكل إلى شكل ومن حال إلى حال فسبحان من هذا كلامه.

أيها المسلمون..

لا تألفوا العجز والكسل. وفي أول دينكم تسخير الطبيعة.

لا تركنوا إلى الجهل. وأول آية نزلت على نبيكم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...

لا ترتموا في أحضان الراحة وفي صدر تاريخكم صنع المعجزة الكبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>