وما نرسل المرسلين إلى الأمم إلا حالة كونهم مبشرين المؤمنين بالثواب، ومنذرين الكفار والعصاة بالعقاب، هذه هي مهمة الرسل مع أممهم، ويجادل الكفار بالباطل حيث يقترحون الآيات بعد ظهور المعجزات، ويقولون للرسل: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [سورة المؤمنون آية ٢٤] .
واتخذوا آيات ربهم، وما أنذروا به من القوارع الناعية عليهم العقاب والعذاب، اتخذوها هزؤا.
ولا أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها عنادا واستكبارا، ولم يتدبرها، ونسى ما قدمت يداه مما عمل في الكفر والمعاصي المجادلة بالباطل والاستهزاء بالحق، وعدم التفكر في العواقب، ومن كان كذلك فهو أظلم من كل ظالم، وقد كان حسدهم وتكبرهم، وتمسكهم بالتقاليد الباطلة وحبهم للرياسة الكاذبة، والعرض الفاني بمثابة الأكنة والحواجز على قلوبهم: وإسنادهم إلى الله قوله: جَعَلْنا للدلالة على ثبوتها ودوامها عندهم.
إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفهموه فهما دقيقا عميقا، وجعلنا في آذانهم وقرا وصمما عن سماع الحق وتدبره، وهؤلاء لن يكون منهم اهتداء أبدا، وإن تدعهم إلى الهدى بكافة الطرق فلن يهتدوا إذا أبدا.
وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من المعاصي التي منها مجادلتهم بالباطل وإعراضهم عن الآيات، وعدم مبالاتهم بعمل السيئات.
لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب في الدنيا ولكن الله أراد غير ذلك. بل لهم موعد حدده الله في يوم بدر مثلا لن يحيدوا عنه ولن يجدوا من دونه ملجأ يلجئون إليه.
وهذه هي القرى التي كانت فيها عاد، وثمود، ومدين، وقوم لوط، أهلكناهم لما ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، وجعلنا لهلاكهم موعدا لا محيد عنه فاعتبروا يا أولى الألباب ولا تغتروا يا أهل مكة بتأخير العذاب..