الله الحرام، وحج بيته الكريم، ففي أيام الحج من كل سنة نجد قلوب كثير من المسلمين تتحرق شوقا إلى مكة والمسجد الحرام، وتنفق في سبيل ذلك النفيس من المال، وتتحمل المشاق والمتاعب، وتهيم على وجوهها شوقا للقاء الحبيب حالة كونهم رجالا أو راكبين الإبل وغيرها من مسافات بعيدة، وترى الحجيج كل عام يجتمع من كل صوب وحدب، ليشهدوا منافع لهم، أى: والله إنها منافع لهم، لا يقدرها حقها، ولا يعرف كنهها إلا الله والراسخون في العلم.
نعم: هذا هو الحج: المؤتمر الأكبر الذي يضم شتات المسلمين من كل فج عميق يجتمعون في صعيد واحد وفي أيام معلومات، ويستهدون من الله، ويطهرون نفوسهم من أدران المادة والدنيا ومتاعها، ويستلهمون معاني القوة والاتحاد، والألفة والتعاون والإخاء في سبيل الله.
يشهدون منافع لهم دون غيرهم، منافع عامة ليست خاصة، منافع كثيرة في الدنيا والآخرة.
وإن من يوفق لأداء فريضة الحج يرى بنفسه أن الحج فيه منافع وأى منافع؟ فالدولة تنفق الأموال، وتطلق الألسنة، وتحشد الجمع لحضور مؤتمر لها، ولكن أيحضر الناس، بقلوبهم؟ معتقدين أنه في ذلك رضاء لربهم؟ كلا!! ولكن في هذا المؤتمر العام يحضر المسلمون ملبين دعوة الله، مجتمعين بقلوبهم، باذلين أموالهم على فقرائهم متعاونين متساندين متعارفين متحابين، يشعرون بالألفة والمحبة والإخاء لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.. فحقا صدق الله: ليشهدوا منافع لهم. ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وانظر يا أخى- وفقك الله الخير- وقد كنى القرآن عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن الغرض المهم من الذبح أن يتقرب العبد إلى ربه وذكر اسمه حتى يطمئن قلبه، ويمتلئ بنور الله، ولأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا وذبحوا، ولقد ازداد الكلام روعة وحسنا ظاهرا حيث جمع بين قوله ليذكروا اسم الله وقوله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام من إبل وبقر، وضأن ومعز.
ولو قال: ليشهدوا منافع لهم، ولينحروا لكان الكلام أجوف خاليا من البواعث