بما يتفق مع صدر السورة، وعجزها، ووصف الأصنام بعد قوله تعالى أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ [سورة النجم الآيات ١٩- ٢٣] وهذا بلا شك وصف للأصنام بأنها لا حقائق لها، وليس لكم فيها حجة، وما تتبعون في عبادتها إلا الظن الذي لا شبهة معه ... وإذا سلمنا بالحديث فتأويله هكذا.
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يرتل القرآن ترتيلا، ويفصل آياته تفصيلا في قراءته فالجائز أن الشيطان انتظر سكتة من النبي صلّى الله عليه وسلّم ودس ما اختلقه من تلك المفتريات محاكيا صوت النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد شاعت تلك الزيادة في وسط أهل مكة وسر بها المشركون.
وأما المسلمون فيحفظون السورة كما أنزلها الله- سبحانه-، وكما كان يتلوها النبي قبل ذلك، وكانوا متحققين من ذم النبي للأوثان، وما عرف عنه في ذلك، ومن هنا تظهر الحكمة الإلهية وهي الاختبار بأمثال هذا. فأما الكافرون الظالمون، ومن في قلوبهم مرض فسيقولون هذا من عند الله، والله قد مدح الأصنام التي كان يذمها محمد.
وأما المؤمنون فسيعلمون أن القرآن هو الحق من عند الله، وإن هذا إلقاء شيطان لا يعبأ به، والله عليم حكيم وتكون الآية سلوى للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كان يحصل هذا مع الأنبياء قبله، وهو لحكمة الله يقصدها ويعلمها، وهي الابتلاء والاختبار.
ويمكن بعد هذا كله أن نفهم الآية على هذا المعنى الآتي- مع أن اللغة لا تمنع منه- يقول الله- سبحانه وتعالى-: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول له كتاب وشريعة، ولا نبي- ليس له شريعة ولا كتاب بل ألهم أو أوحى إليه أن يتبع شريعة غيره كأنبياء إسرائيل- وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى- من الأمنية التي تهواها النفس، وكل الأنبياء كانت تحب وتهوى أن يؤمن بهم كل الناس- ألقى الشيطان في أمنيته وفي سبيل تحقيقها من العراقيل والعقبات الشيء الكثير فكان يلقى من نفوس الناس ويزين لهم الكفر والفسوق والعصيان، ولا شك أن الناس الذين أرسل إليهم الرسول هم محل الأمنية، التي يتمناها النبي صلّى الله عليه وسلم.