قوته وشدة تأثيره ووضوحه: كمشكاة فيها مصباح قوى الإضاءة، شديد التأثير وهذا المصباح في زجاجة صافية، كأنها كوكب مضيء متلألئ كالدر صفاء وتلألؤا، يدفع نوره بعضه بعضا لشدته ولمعانه ووضعه بهذا الشكل، وهذا المصباح يوقد من شجرة مباركة طيبة هي شجرة الزيتون، وليست تقع شرقى شيء كالجبل، ولا غربي شيء كذلك فإنها إن وقعت في هذا الموقع حجب الحاجز عنها ضوء الشمس في أول النهار وآخره فكانت الشجرة ضعيفة، فالشجرة في مكان جيد متمتع بضوء الشمس والهواء الطلق، وذلك أكمل لنضجها وطيب ثمرها.
وانظر يا أخى إلى هذا التمثيل، وذلك التصوير الذي أبرز النور في صورة مؤثرة أخاذة للنفس، فقد جعل النور في مصباح، والمصباح في زجاجة، وهو في كورة داخلة، كل ذلك يجعل نوره مسلطا في جهة معينة، مبددا للظلام الحالك الذي يحيط به، وهو أشد روعة من نور الشمس الوهاج الذي لا يحيط به ظلام، ألا ترى إلى البرق الخاطف وأثره في النفس؟ أليس أشد من ضوء الشمس تأثيرا في النفس وإن المصباح وسط الظلمات المتكاثفة لهو أشبه شيء بنور الحق وسط ظلمات الكفر والفسق والعصيان.
ولذا وصف الشجرة بأنها مباركة نامية، لا يحجبها عن نور الشمس والهواء الطليق جبل أو حاجز ولعل قوله تعالى: لا شرقية ولا غربية إشارة دقيقة إلى أن نور الإسلام وشرائعه وسط بين طرفين متقابلين وما في شرائع الإسلام شاهد على ذلك وهذا الزيت المستخرج من تلك الشجرة، زيت صاف يكاد يضيء بدون مس النور.
تأمل هذا التصوير تجد نفسك أمام نور قد استجمع مظاهر النور، وتجلى في وسط ظلمة زادت بهاء ظهورا، فهو بحق نور، وهذا شأن هداية الله لعباده نور من كل ناحية، وضوء من كل جانب فهو نور متضاعف يزداد كلما نظرت فيه، وحاولت الوقوف على سره.
وانظر إلى التصوير الفنى العالي للمصباح وما يحيط به ثم انظر إليه وقد تعرض لمادة النور، وهم لا يعرفون من مادة الاستصباح إلا الزيت، وأجوده زيت الزيتون.
وإذا كان هذا هو وصف هداية الله وتمثيلها بالنور الحسى فما بالنا نرى كثيرا لم يهتد بذلك النور، فرد الله على ذلك بقوله: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ