أمر عليهم أسامة بن زيد وهو شاب حدث، وفي الجيش أبو بكر وعمر وعلى وغيرهم!! ألا حيّا الله البطولة والرجولة!! وها نحن الآن نشغل أنفسنا برئيس الوزراء شغلا أكثر من شغلنا بأنفسنا ولا علينا بعد هذا شيء أقام الغاصب في بلادنا قرنا أم قرنين!! بماذا رد هؤلاء القوم على نبيهم؟ قالوا متعجبين لقصور عقولهم: كيف يكون ملكا علينا؟ ونحن أحق بالملك والرياسة منه إذ فينا الملك قديما، وطالوت فقير ليس غنيّا.
كأنهم فهموا أن الملك حق يورث وأن الغنى شرط أساسى فيه، فقال لهم نبيهم: إن الله قد اختاره واصطفاه وما عليكم إلا الامتثال فالله لا يختار إلا ما فيه الخير لكم وقد زاده الله بسطة في العلم حتى يكون واسع الإدراك نافذ البصيرة، وبسطة في الجسم حتى يقوى على القيادة وأعمال الحرب وحتى يكون مهابا يملأ العين والنظر، والله- سبحانه- يؤتى ملكه من يشاء فلا اعتراض عليه وهو أعلم بخلقه من يستحق ومن لا يستحق.
لم يقتنع القوم بما ساق لهم نبيهم من الحكمة في اختيار طالوت ملكا عليهم وظلوا معاندين، فأوحى الله إليه أن يسوق دليلا ماديا على صحة ملكه وقيادته، وآية ملكه أن يأتيكم التابوت- وقد كان له شأن في بنى إسرائيل عظيم ولما فرطوا أخذ منهم زمنا ثم جعل لهم نبيهم عودته في بيت طالوت دليلا من الله على صحة الملك- وفيه سر تسكن إليه نفوسكم وتطمئن إليه ضمائركم، خاصة عند ما تحملونه في القتال وفيه بقية مما ترك موسى وهارون، وسيأتى محمولا من الملائكة تشريفا وتكريما له، أفلا يدل كل هذا على أن الله اختار طالوت قائدا لكم ولكنهم اليهود قديما وحديثا هكذا يفعلون!! إن في ذلك القصص لعبرة وعظة وأى عبرة وعظة؟!! وفيه آية لكم أيها المخاطبون في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يقص عليكم هذا القصص وهو نبي عربي أمى لم يقرأ ولم يكتب فمن أين له هذا؟! وإذا علمت ما تقدم فلما انفصل طالوت بالجنود أراد أن يختبرهم بشيء ليعلم صدق نيتهم في القتال وهكذا القائد الحكيم إذ ظن في جنده ظنّا فاختبرهم ليقف على حالهم.
فقال لهم: إن الله مختبركم- وهو الأعلم بكم- بنهر يعترضنا في الطريق، فمن شرب منه فليس من أتباعى وأشياعى، ومن لم يتذوقه فإنه من حزبى وأنصارى إلا من