يخلق الله خلقه على ما يشاء ولا غرابة في ذلك. إنه على كل شيء قدير.
بعض العلماء يرى أن هذا المثل ضرب للكفار إذ هم يمشون على بطونهم وقد ضرب للمنافق ما يمشى على أربع وضرب للمسلم المنتفع بنور الله من يمشى على رجلين والله أعلم.
لقد أنزل آيات دالات على كمال القدرة منها ما ذكر هنا، وهذه الآيات مبينات للحق والهدى، ظاهرات في نفسها، ولكن لا يهتدى بها إلا من يشاء الله له الهداية، لأنه بطبعه يميل إليها وهو يستحقها، والله- سبحانه- يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وذلك الفضل من الله وكان الله عليما حكيما، وهو على كل شيء شاءه قدير.
بعد أن ساق- جل شأنه- من الأدلة والبراهين، ما يثبت الإيمان الحق، في قلوب الناس، وينفى الشك والريب. شرع- جل جلاله- يبين أن هذه الآيات وإن تكن بينة واضحة في نفسها مبينة وموضحة حقيقة الشرع، إلا أنها لا تكفى وحدها بل لا بد من هداية من الله وتوفيقه لمن يشاء، حتى يظل الإنسان طامعا في عفوه، غير خارج عن حظيرة الرجوع إلى الله في كل شيء، وهذه قصة بعض المنافقين، الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم يؤمنون باللسان ثم لا يرضون بحكم الله، وهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل. ولعل ذكر أوصافهم صريحة مما يقوى تمثيلهم بالحيوان.
روى أن رجلا من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فدعاه اليهودي إلى التحاكم إلى رسول الله، ودعاه المنافق إلى التحاكم إلى كعب بن الأشرف فرارا من الحكم الحق الذي سيحكمه رسول الله ثم انتهى الأمر، وتحاكما إلى رسول الله فحكم لليهودي،
لأنه صاحب الحق، ورسول الله لا يحكم إلا به ولو على أقرب الناس إليه، فرضي اليهودي بذلك، ولم يرض المنافق، وتحاكما إلى عمر طمعا فيه فقال له اليهودي: قد تحاكمنا إلى رسول الله ورضيت ولم يرض زميلي فقال عمر: أهذا حصل، قال المنافق:
نعم، فضرب عمر رقبته بالسيف حيث لم يرض بحكم رسول الله!!.