منهم من شرفه بالكلام مشافهة كموسى- عليه السلام-: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [سورة النساء آية ١٦٤] . وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [سورة الأعراف آية ١٤٣] .
ورفع بعض الأنبياء على من عداه درجات في الفضل والشرف- الله أعلم بها- وآتى الله عيسى ابن مريم الآيات الواضحات: كتكليمه في المهد وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأيده بروح القدس جبريل مع روحه الطاهرة ونفسه الصافية.
وإنما خص عيسى- عليه السلام- بهذه الأوصاف لاختلاف اليهود والنصارى فيه، فاليهود حطت من شأنه واتهمته واتهمت أمه، والنصارى رفعته إلى درجة الألوهية، فقيل ردا عليهم ولبيان أنهم فرّطوا وأفرطوا: عيسى ابن مريم مرّ بأدوار الطفولة والحمل وغيره يأكل ويشرب، أفيليق أن يكون إلها؟، ولكنه مؤيد من عند الله بالآيات الواضحات وروح القدس ولذا تكلّم في المهد إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [سورة المائدة آية ١١٠] فهو نبىّ مرسل كريم على الله فلا يليق بكم أيها اليهود أن تنالوا منه وتحطوا من شأنه.
أما من رفعه إلى درجات الفضل فالظاهر أنه محمد صلّى الله عليه وسلّم لعموم رسالته وأنه أرسل رحمة للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين وأن معجزته القرآن،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم «بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها طهورا، ونصرت بالرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة» .
والذي يؤيد هذا أن القرآن خاطب أمم الأنبياء ولم يكن هناك إلا أمة اليهود والنصارى والمسلمين فهذا موسى نبي اليهود، وهذا عيسى، وبقي الفرد العلم الذي لا يحتاج إلى ما يعيّنه والذي رفعه الله درجات ودرجات ولا حرج على فضل الله.
ولو شاء الله عدم قتال الذين جاءوا من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم البينات والمعجزات ما اقتتلوا، ولكن لم يشأ عدم اقتتالهم لأنه خلق الإنسان وكرّمه بالعقل والإدراك، وكل إنسان يختلف عن الآخر، ولم يجعل قبول الدين ومبادئه بالطبيعة والفطرة من غير تفكير ونظر، وإلا لكان الناس أمة واحدة كلهم مؤمنون أو كلهم كافرون، ولهذا اختلفوا اختلافا بينا في قبول الدين، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.